الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              602 (باب القراءة بما تيسر ) .

                                                                                                                              وأورده النووي في الباب المتقدم.

                                                                                                                              (حديث الباب ) .

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ص 105- 107 ج 4 المطبعة المصرية[عن عبيد الله. قال حدثني سعيد بن أبي سعيد عن أبيه، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد. فدخل رجل فصلى. ثم جاء فسلم على رسول الله صلى الله عليه. وسلم فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام. قال: "ارجع [ ص: 347 ] فصل فإنك لم تصل" فرجع الرجل فصلى كما كان صلى. ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وعليك السلام" ثم قال: "ارجع فصل فإنك لم تصل" حتى فعل ذلك ثلاث مرات. فقال الرجل: والذي بعثك بالحق! ما أحسن غير هذا. علمني. قال: "إذا قمت إلى الصلاة فكبر. ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن. ثم اركع حتى تطمئن راكعا. ثم ارفع حتى تعتدل قائما. ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا. ثم ارفع حتى تطمئن جالسا. ثم افعل ذلك في صلاتك كلها" .] .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح) .

                                                                                                                              (عن أبي هريرة ) ؛ رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فدخل رجل فصلى. ثم جاء فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه السلام. قال: "ارجع فصل. فإنك لم تصل" فرجع الرجل فصلى، كما كان صلى. ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وعليك السلام" ) .

                                                                                                                              فيه: استحباب السلام عند اللقاء، ووجوب رده.

                                                                                                                              وأنه يستحب تكراره إذا تكرر اللقاء وإن قرب العهد.

                                                                                                                              وأنه يجب رده في كل مرة.

                                                                                                                              [ ص: 348 ] وأن صيغة الجواب: وعليكم السلام. أو: وعليك السلام. بالواو.

                                                                                                                              وهذه الواو مستحبة عند الجمهور. وأوجبها بعضهم، وليس بشيء. بل الصواب أنها سنة. قال تعالى:

                                                                                                                              قالوا سلاما قال سلام .

                                                                                                                              ثم قال: "ارجع فصل. فإنك لم تصل." حتى فعل ذلك ثلاث مرات ) .

                                                                                                                              وفيه: أن من أخل ببعض واجبات الصلاة لا تصح صلاته، ولا يسمى مصليا. بل يقال له: لم تصل.

                                                                                                                              (فقال الرجل: والذي بعثك بالحق! ما أحسن غير هذا، علمني. قال: "إذا قمت إلى الصلاة فكبر" ) .

                                                                                                                              فيه: أن الإقامة ليست بواجبة.

                                                                                                                              "ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن".

                                                                                                                              فيه: وجوب القراءة في الركعات كلها. وهو مذهب الجمهور كما سبق.

                                                                                                                              ثم اركع حتى تطمئن راكعا. ثم ارفع حتى تعتدل قائما".

                                                                                                                              فرضية الركوع، والاعتدال منه، معلومة بالضرورة الشرعية. وبطلان صلاة من لم يفعل ذلك أصلا، لهذا الحديث.

                                                                                                                              مع قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها ظهره".

                                                                                                                              ورواه أحمد، وغيره، بلفظ: "لا ينظر الله إلى صلاة عبد لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده".

                                                                                                                              [ ص: 349 ] وقد قال للمسيء: "ارجع فصل؛ فإنك لم تصل".

                                                                                                                              ومذهب أهل العلم: وجوب الطمأنينة في الاعتدال، وهو الصحيح المختار.

                                                                                                                              "ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا؛ ثم ارفع حتى تطمئن جالسا".

                                                                                                                              وفيه: دليل على وجوب الاعتدال عن الركوع، والجلوس بين السجدتين، ووجوب الطمأنينة بينهما، وهو مذهب الجمهور.

                                                                                                                              قال النووي: ولم يوجبها أبو حنيفة وطائفة يسيرة. وهذا الحديث حجة عليهم. وليس عنه جواب صحيح. انتهى.

                                                                                                                              قلت: هذا فرض ركني، لا ينبغي أن يقع في مثله خلاف.

                                                                                                                              وهو بيان للسجود المأمور به في القرآن. وصح في حديث المسيء في الصحيحين، وغيرهما. كما هنا.

                                                                                                                              فيا عجبا لمن لم يقل بفرضية هذا الركن! وتلاعب به في صورته، وترك ما هو الشرع الواضح، والركن الذي لا صلاة لمن لم يأت به فيها.

                                                                                                                              "ثم افعل ذلك في صلاتك كلها".

                                                                                                                              "وفيه": الرفق بالمتعلم، والجاهل، وملاطفته، وإيضاح المسألة له، وتلخيص المقاصد، والاقتصار في حقه على المهم، دون المكملات التي لا يتحمل حاله حفظها، والقيام بها.

                                                                                                                              [ ص: 350 ] وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر" كما في رواية أخرى؛ دلالة على أن المفتي إذا سئل عن شيء، وكان هناك شيء آخر يحتاج إليه السائل، ولم يسأل عنه، يستحب له أن يذكره له.

                                                                                                                              ويكون هذا من النصيحة لا من الكلام فيما لا يعني.

                                                                                                                              ووجه الدلالة؛ أنه قال: علمني يا رسول الله! فعلمه الصلاة، واستقبال القبلة، والوضوء. وليسا من الصلاة لكنهما واجبان.

                                                                                                                              وهذا الحديث مشتمل على فوائد كثيرة. ومحمول على بيان الواجبات، دون السنن.

                                                                                                                              فإن قيل: لم يذكر فيه كل الواجبات، فقد بقي منها أشياء مجمع عليها، ومختلف فيها.

                                                                                                                              فالجواب: أن لهذا الحديث طرقا وألفاظا في الصحيحين، وغيرهما، جمعت جملة الواجبات. إذ هي منحصرة فيه.

                                                                                                                              إلا ما ورد فيه دليل على وجوبه بعده، فما عدا ذلك ليس بواجب.

                                                                                                                              فإن ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه فعله، وأرشد إليه، كان ذلك سنة ثابتة، وطريقة نبوية.

                                                                                                                              فإن لازمه، أو أرشد إليه إرشادا مؤكدا، كان ذلك له مزيد خصوصية، لما وقع له من اعتنائه صلى الله عليه وسلم بشأنه.

                                                                                                                              [ ص: 351 ] فاحفظ هذا تسلم من تخليطات المخلطين، وتخبطات المتخبطين، الذين خلطوا الشرع الصافي بالاصطلاحات الحادثة، المتواضع عليها بين طائفة من الناس.

                                                                                                                              والحديث يدل على بطلان صلاة من أخل بشيء، مما هو مذكور في حديث المسيء بطرقه وألفاظه.

                                                                                                                              وقد جمعنا ذلك في كتابنا "دليل الطالب" فراجع.

                                                                                                                              وأما الاستدلال على عدم البطلان بقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء في بعض طرق حديثه، بعد تعليمه: "إذا انتقصت من ذلك شيئا، فقد انتقصته من صلاتك" فلا دلالة له على ذلك.

                                                                                                                              لأن انتقاصه من صلاته، بترك ركن من أركانها، يخرجها عن الصلاة المطلوبة للشارع.

                                                                                                                              وقد قال لهذا المسيء نفسه: "ارجع فصل فإنك لم تصل". وهذا يوجب حمل الانتقاص على الإبطال للصلاة، جمعا بين الروايتين.

                                                                                                                              قال الشوكاني في "السيل الجرار": ولأهل الرأي في عدم إيجاب الطمأنينة، كلام يعرف فساده من يعرف الاستدلال، ويدري بكيفيته.

                                                                                                                              وقد أفضى ذلك إلى أن يصلي غالب عامتهم، وبعض خاصتهم، صلاة لا ينظر الله إلى صاحبها، ولا تجزيه. كما نطق بذلك رسول صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                              فكانت هذه الرزية النازلة بهم، هي ثمرتهم المستفادة، من تقليدهم. انتهى.

                                                                                                                              [ ص: 352 ] وقد استدرك الدارقطني على إسناد حديث الباب.

                                                                                                                              وتعقبه النووي عليه. وقال: فحصل أن الحديث صحيح لا علة فيه. ولو كان الصحيح ما رواه الأكثرون لم يضر في صحة المتن.

                                                                                                                              ومقصودي بهذا: أن لا يغتر بذكر الدارقطني، أو غيره، له في : الاستدراكات. والله عز وجل أعلم.




                                                                                                                              الخدمات العلمية