الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              651 (باب الأمر بالسكون في الصلاة )

                                                                                                                              وقال النووي : (باب الأمر بالسكون في الصلاة. والنهي عن الإشارة باليد، ورفعها عند السلام. وإتمام الصفوف الأول؛ والتراص فيها. والأمر بالاجتماع ) .

                                                                                                                              [ ص: 485 ] (حديث الباب )

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 152- 153 ج 4 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن تميم بن طرفة، ، عن جابر بن سمرة؛ قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس.؟ اسكنوا في الصلاة" قال: ثم خرج علينا فرآنا حلقا. فقال: "مالي أراكم عزين؟" قال: ثم خرج علينا فقال: "ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟" فقلنا: يا رسول الله! وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: "يتمون الصفوف الأول. ويتراصون في الصف" ].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن جابر بن سمرة ) ؛ رضي الله عنه (قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: "مالي أراكم رافعي أيديكم، كأنها أذناب خيل شمس؟ اسكنوا في الصلاة" ) .

                                                                                                                              هذا موضع الدلالة من الحديث. "وفيه" الأمر بالسكون في الصلاة، والخشوع فيها، والإقبال عليها. (قال: ثم خرج علينا فرآنا حلقا ) بكسر الحاء، وفتحها. لغتان. جمع حلقة. بإسكان اللام.

                                                                                                                              [ ص: 486 ] وحكى الجوهري وغيره: فتحها في لغة ضعيفة.

                                                                                                                              (فقال: مالي أراكم عزين ) أي: متفرقين جماعة، جماعة. الواحدة:

                                                                                                                              عزة.

                                                                                                                              معناه: النهي عن التفرق. والأمر بالاجتماع.

                                                                                                                              (قال: ثم خرج علينا فقال: "ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟" فقلنا: يا رسول الله ! وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: "يتمون الصفوف الأول، ويتراصون في الصف" ) .

                                                                                                                              "فيه" الأمر بإتمام الصفوف الأول؛ والتراص في الصفوف.

                                                                                                                              ومعنى إتمامها: أن يتم الأول ولا يشرع في الثاني، حتى يتم الأول. ولا في الثالث، حتى يتم الثاني. ولا في الرابع، حتى يتم الثالث. وهكذا إلى آخرها.

                                                                                                                              "وفيه" أن الملائكة يصلون، وأن صفوفهم على هذه الصفة. "وفيه" رد على من يرى تفريق الجماعات في مسجد واحد، كالمسجد الحرام، وغيره. في وقت واحد.

                                                                                                                              وقد رأى كل واحد هذا التفرق فيه، وصلاة أهل المذاهب الأربعة في أربع مصليات.

                                                                                                                              وهذه البدعة قد رفعت السنة المأثورة، التي هي الاجتماع في الصلوات الخمس، والجمع، والأعياد.

                                                                                                                              [ ص: 487 ] قال الشوكاني "رحمه الله" في (إرشاد السائل إلى دليل المسائل ) : عمارة المقامات أي: المصليات ) ؛ في الحرم الشريف المكي بدعة، بإجماع المسلمين؛ أحدثها شر ملوك الجراكسة: (فرح بن برقوق ) ، في أوائل المائة التاسعة من الهجرة.

                                                                                                                              وأنكر ذلك أهل العلم في ذلك العصر، ووضعوا فيه مؤلفات، وقد بينت ذلك في غير هذا الموضع.

                                                                                                                              ويا لله العجب ! من بدعة يحدثها من هو شر ملوك المسلمين في خير بقاع الأرض، كيف لم يغضب لها من جاء بعده من الملوك المائلين إلى الخير؟! لاسيما وقد صارت هذه المقامات، سببا من أسباب تفريق الجماعات.

                                                                                                                              وقد كان الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ينهى عن الاختلاف والفرقة ويرشد، إلى الاجتماع والألفة؛ كما في الأحاديث الصحيحة.

                                                                                                                              بل نهى عن تفريق الجماعات في الصلوات.

                                                                                                                              وبالجملة، فكل عالم عاقل متشرع، يعلم أنه حدثت بسبب هذه المذاهب (التي فرقت الإسلام فرقا ) مفاسد، أصيب بها الدين، وأهله؛ وأن من أعظمها خطرا وأشدها على الإسلام آفة، ما يقع الآن في الحرم الشريف المكي، من تفريق الجماعات في الصلوات، ووقوف كل طائفة في مقام من هذه المقامات؛ كأنهم أهل أديان مختلفة، وشرائع غير مؤتلفة؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون. انتهى كلامه رحمه الله.

                                                                                                                              [ ص: 488 ] وإذا ثبت أن هذه المقامات بدعة، فلا شك أن كل بدعة ضلالة. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد".

                                                                                                                              فهذا التفريق في الجماعة، وعدم التأليف في الصلاة، قد شمله حديث الباب. لقوله:

                                                                                                                              (مالي أراكم عزين؟ ) . وما في معنى هذا الحديث من الأدلة الصحيحة الثابتة، والله أعلم.




                                                                                                                              الخدمات العلمية