الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون .

[219] يسألونك عن الخمر وهو المسكر، لأنه يخمر العقل; أي: يستره.

والميسر القمار; لأنه يأخذ مال غيره بسهولة ويسر; أي: يسألونك عن جواز تناولهما واستعمالهما; لأن السؤال لم يكن عن أعيانهما. [ ص: 308 ]

قل فيهما إثم كبير أي: وزر. قرأ حمزة والكسائي : (إثم كثير) بالثاء المثلثة، والباقون: بالباء، فتركها قوم لقوله: (إثم كبير)، وشربها قوم لقوله:

ومنافع للناس بلذة الشرب والفرح، وإصابة المال من غير كد ولا تعب.

ثم دعا عبد الرحمن بن عوف جماعة، فسكروا، فأمهم بعضهم في المغرب، فقرأ: قل يا أيها الكافرون. أعبد ما تعبدون، بحذف (لا) فنزل: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى [النساء: 43]، فتركوها في حال السكر.

ثم دعا عتبان بن مالك جماعة، فشربوا الخمر، فأنشد سعد بن أبي وقاص قصيدة فيها هجاء الأنصار، فضرب بعض الأنصار رأس سعد بلحي جمل، فشجه موضحة، فشكا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال عمر: اللهم بين لنا في الخمر بيان شفاء، فنزل: إنما الخمر والميسر في المائدة إلى فهل أنتم منتهون [المائدة: 91]، فقال عمر: انتهينا، فحرمت الخمر، وأريقت.

والخمر ما غلى واشتد وقذف بالزبد من غير طبخ النار، من عصير [ ص: 309 ] العنب والرطب، ونقيع الزبيب والتمر، وغيرها، يحد شاربه، ويفسق، ويكفر مستحلها باتفاق الأئمة الثلاثة، وقال أبو حنيفة : إنما يكفر باستحلال ما اتخذ من عصير العنب فقط، ولا يحد عنده بشرب غيره حتى يسكر.

وقدر الحد للحر أربعون جلدة عند الشافعي، وثمانون عند الثلاثة، ويتنصف بالرق باتفاقهم.

والميسر: قال ابن عباس : كان الرجل في الجاهلية يخاطر الرجل على أهله وماله، فأيهما قمر صاحبه، ذهب بأهله وماله، فأنزل الله الآية.

وكان أصل الميسر أن أهل الثروة من العرب يشترون جزورا، ويجزئونها عشرة أجزاء، ثم يقتسمون عليها بعشرة قداح يقال لها: الأزلام لسبعة منها أنصباء، وثلاثة لا أنصباء لها، فمن خرج سهمه من السبعة، أخذ نصيبه، ومن خرج سهمه من الثلاثة، لا يأخذ شيئا، ويغرم ثمن الجزور كله، ثم يدفعون ذلك الجزور إلى الفقراء، ولا يأكلون منه شيئا، وكانوا يفتخرون بذلك، ويذمون من لم يفعله.

وإثمهما بعد التحريم.

أكبر من نفعهما قبله.

ويسألونك ماذا ينفقون أي: في الصدقة، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حثهم على الصدقة، فقالوا: ماذا ننفق؟.

قل العفو هو ما فضل عن الحاجة. قرأ أبو عمرو : (العفو) بالرفع، [ ص: 310 ] معناه: الذي تنفقون هو العفو. وقرأ الباقون: بالنصب; أي: قل أنفقوا العفو، ثم نسخ بآية الزكاة، ثم خاطب النبي - صلى الله عليه وسلم - والمراد: الأمة، فقال: كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون .

التالي السابق


الخدمات العلمية