الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 531 ] وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم .

[32] وأنكحوا أي : زوجوا الأيامى منكم جمع أيم ، وهو من لا زوج له من الرجال والنساء ، بكرا كان أو ثيبا .

والصالحين أي : الخيرين من عبادكم وإمائكم اتفق الأئمة على أن النكاح سنة ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : "من أحب فطرتي ، فليستن بسنتي ، ومن سنتي النكاح" ، فإن كان تائقا يخاف العنت ، وهو الزنا ، وجب عليه عند أبي حنيفة وأحمد ، وقال مالك والشافعي : وهو مستحب لمحتاج إليه يجد أهبته ، ومن لم تتق نفسه إليه ، فقال أبو حنيفة وأحمد : النكاح أفضل له من نفل العبادة ، وقال مالك والشافعي : بعكسه ، وعند الشافعي : إن لم يتعبد ، فالنكاح أفضل .

واختلفوا في تزويج المرأة نفسها ، فأجازه أبو حنيفة ؛ لقوله تعالى : فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن [البقرة : 232] نهى الرجال عن منع النساء عن النكاح ، فدل على أنهن يملكن النكاح ، وقوله تعالى : حتى تنكح زوجا غيره [البقرة : 230] ، أضاف النكاح إلى المرأة أيضا ، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : "الأيم أحق بنفسها من وليها ، والبكر تستأمر بنفسها ، وإذنها صماتها" ، [ ص: 532 ] والاستئمار طلب الأمر من قبلها ، ومنعه الثلاثة وقالوا : إنما يزوجها وليها ؛ بدليل هذه الآية ؛ لأن الله خاطب الأولياء به ؛ كما أن تزويج العبيد والإماء إلى السادات ، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها ، فنكاحها باطل ، ثلاث مرات" .

واختلفوا هل يجبر السيد على تزويج رقيقه إذا طلبوا ذلك ؟ فقال أحمد : يلزمه ذلك إلا أمة يستمتع بها ، فإن امتنع السيد من الواجب عليه ، فطلب العبد البيع ، لزمه بيعه ، وخالفه الثلاثة .

إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله أي : لا يمنعن فقر الخاطب أو المخطوبة من المناكحة ؛ فإن في فضل الله غنية عن المال .

والله واسع ذو سعة لا تنفد نعمته عليم يبسط الرزق ويقدر بحكمته . قرأ رويس عن يعقوب بخلاف عنه : (يغنهم الله ) بضم الهاء والميم ، والباقون : بكسرهما .

واختلف الأئمة في الزوج إذا أعسر بالصداق والنفقة والكسوة والمسكن ، هل تملك المرأة فسخ نكاحها ؟ فقال أبو حنيفة : لا تملك الفسخ بشيء من ذلك ، وتؤمر بالاستدانة للنفقة لتحيل عليه ، فإذا فرضها [ ص: 533 ] القاضي ، وأمرها بالاستدانة ، صارت دينا عليه ، فتتمكن من الإحالة عليه ، والرجوع إلى تركته لو مات ، وقال مالك : لها الفسخ بإعساره بالصداق قبل الدخول ، فيؤمر بطلاقها ، فإن امتنع ، فرق الحاكم بينهما ، ويتشطر صداقها عليه ، ويبقى دينا في ذمته تتبعه به إذا أيسر ، ولم يفرق بإعساره به بعد الدخول ، وإن أعسر بنفقتها ، أمر بفراقها ، فإن امتنع ، فرق الحاكم بينهما بطلقة رجعية ، وله الرجعة إن أيسر في العدة ، وقال الشافعي : إذا أعسر بالنفقة ، فلها فسخ النكاح ، وكذا بالكسوة والمسكن ، ويمهل ثلاثة أيام ، وتفسخ صبيحة الرابع ، ولها الفسخ بالإعسار بالمهر قبل وطء لا بعده ويسقط به المهر ، وقال أحمد : إن أعسر بنفقة أو ببعضها ، أو بكسوة أو ببعضها ، أو بسكنى ، فلها الفسخ ، وكذا إن أعسر بمهر حال قبل الدخول أو بعده ، ما لم تكن عالمة بعسرته ، فإن فسخت قبل الدخول ، سقط المهر ، وبعده ، يستقر في ذمته ، واتفق الشافعي وأحمد على أن الفسخ لا يصح إلا بحكم حاكم ، فيفسخ بطلبها ، أو تفسخ بأمره .

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية