الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قل إني على بينة من ربي وكذبتم به ما عندي ما تستعجلون به إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين .

[57] قل إني على بينة ويقين. [ ص: 406 ]

من ربي وكذبتم به أي: بما جئت به، وكانوا قد استعجلوا العذاب، فقال -صلى الله عليه وسلم-:

ما عندي ما تستعجلون به من العذاب.

إن الحكم إلا لله لا لي.

يقص الحق من القضاء: الحكم; أي: يقضي القضاء الحق. قرأ نافع، وابن كثير، وأبو جعفر، وعاصم: (يقص الحق) بضم القاف والصاد المهملة مشددا; أي: يقول الحق; لأنه في جميع المصاحف بغير ياء، ولأنه قال: (الحق) ولم يقل: بالحق، وقرأ الباقون (يقض) بسكون القاف وكسر الضاد المعجمة; من قضيت; أي: يحكم بالحق; بدليل أنه قال:

وهو خير الفاصلين أي: الحاكمين، وحذفت الياء لاستثقال الألف واللام; كقوله: صال الجحيم [الصافات: 163] ، ونحوها، وأثبت يعقوب الياء وقفا. والقضاء شرعا: هو الإلزام وفصل الحكومات، ومنصب القضاء فرض كفاية بالاتفاق، ويجب على من يصلح له إذا طلب ولم يوجد غيره ممن يوثق به الدخول فيه بغير خلاف، قال الإمام أحمد: إلا أن يشغله عما هو أهم منه. ويشترط في القاضي: العدالة والاجتهاد عند الثلاثة، وقال أبو حنيفة: يجوز قضاء الفاسق، ولا ينبغي أن يولى، ويجوز تقليد الجاهل; لأنه يقدر على القضاء بالاستفتاء، والأولى أن يكون عالما. [ ص: 407 ]

واختلفوا في صحة قضاء المرأة، فقال أبو حنيفة: يصح قضاؤها فيما تقبل فيه شهادتها، وهو ما عدا الحدود والقصاص، وقال الثلاثة: لا يصح قضاؤها مطلقا.

ويجوز القضاء على الغائب عند الثلاثة خلافا لأبي حنيفة.

ويصح التحكيم لمن يصلح للقضاء بالاتفاق، واختلفوا في حكمه، فقال أحمد: ينفذ حتى في حد وقود، فهو كحاكم الإمام مطلقا، وقال مالك: حكمه ماض في الأموال، فلو حكم بقتل، أو اقتص أو حد أو لاعن أدب ومضى ما لم يكن جورا بينا، قال الشافعي: يصح مطلقا في غير حد لله تعالى، وقال أبو حنيفة مثله، لكن إذا رفع إلى حاكم آخر أمضاه إن وافق مذهبه، وإن لم يوافقه أبطله، والحكم شرعا: أمر ونهي يتضمن إلزاما.

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية