الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما فروعه ، فهي كثيرة ، وكذلك مظانه التي دلت عليها أدلة الكتاب ، والسنة ، وتنصيص العلماء بالله ، وسيأتي جميع ذلك في هذا الكتاب بابا بابا .

وأما في قول صاحب «الحجة » : ليس المراد من الدعاء : العبادة ، بل هو الاستعانة .

فأقول : إن الاستعانة أيضا نوع من العبادة ، وقد ثبت كون الدعاء هو العبادة بأدلة صحيحة واضحة ، لا تحتمل تأويلا ولا توجيها ؛ كما سيأتي في هذا الكتاب -إن شاء الله تعالى - .

والحاصل -كما قال في رد الإشراك - أن الإشراك الذي نزل الكتب الإلهية لإبطاله ، وبعث الأنبياء لمحقه ، ليس مقصورا على أن يعتقد أحد أن معبوده مماثل للرب -تبارك وتعالى - في وجوب الوجود ، أو إحاطة العلم بجميع الكائنات ، أو الخالقية لأصول العالم ؛ كالسماء والأرض ، أو المتصرف في جميع الممكنات .

فإن هذا الاعتقاد ليس من شأن الإنسان أن يتلوث به .

اللهم إلا إن كان ممسوخا كفرعون ، وأمثاله .

وليس لأحد أن يذعن بأن الكتب الإلهية إنما نزلت ، والأنبياء إنما أرسلت وبعثت لأجل إصلاح أمثال هؤلاء الممسوخين فقط .

كيف ، ومشركو العرب الذين سماهم النبي صلى الله عليه وسلم: مشركين ، وقاتلهم ، وأراق دماءهم ، وسبى ذراريهم ، ونهب أموالهم ، لم يكونوا مذعنين بهذا الاعتقاد ؛ [ ص: 282 ] بدليل قوله تعالى : قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل فأنى تسحرون [المؤمنون : 88-89] .

وأمثال هذه الآية الكريمة كثيرة جدا .

بل معناه : أن يشرك أحدا ممن سوى الله معه تعالى في الألوهية ، أو الربوبية .

ومعنى الألوهية : أن يعتقد في حق أحد أنه بلغ في الاتصاف بصفات الكمال ؛ من العلم المحيط ، أو التصرف بمجرد القهر والإرادة مبلغا جل عن المماثلة والمجانسة مع سائر المخلوقين .

وذلك بأن يعتقد أنه ما من أمر يحدث - سواء كان من قبل الجواهر أو الأعراض ، من الأقوال أو الأفعال ، أو الاعتقاد أو العزائم ، والإرادات والنيات - إلا وهو ممتنع أن يغيب عن علمه ، وهو شاهد عليه ، أو يعتقد أنه يتصرف في الأشياء بالقهر ؛ أي : ليس تصرفه فيها من جملة الأسباب ، بل هو قاهر على الأسباب .

ومعنى الربوبية : أنه بلغ في رجوع الحوائج ، واستحلال المشكلات ، واستدفاع البلايا بمجرد الإرادة والقهر على الأسباب مبلغا استحق به غاية الخضوع ، والاستدلال .

أي : ليس للتذلل لديه ، والخضوع عنده حد محدود ، فما من تذلل وخضوع إلا وهو مستحسن بالنسبة إليه ، وهو مستحق له .

فتحقق أن الإشراك على نوعين :

1-إشراك في العلم .

2-وإشراك في التصرف .

ويتفرع منهما : الإشراك في العبادات .

وذلك بأنه إذا اعتقد في أحد أن علمه محيط ، أو تصرفه قاهر ، فلا بد أنه يتذلل عنده ، ويفعل لديه أفعال التعظيم والخضوع ، ويعظمه تعظيما لا يكون من جنس التعظيمات المتعارفة فيما بين الناس ، وهو المسمى بالعبادة . [ ص: 283 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية