الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
معنى الحنيف

قال في «فتح البيان»: الحنيف المطلق: هو الذي يكون متبرئا عن أصول الملل الخمسة؛ اليهود، والنصارى، والصابئين، والمجوس، والمشركين، وعن فروعها من جميع النحل إلى الاعتقادات الحقة، وعن توابعها؛ من الخطأ والنسيان إلى العمل الصالح، وهو مقام التقي، وعن المكروهات إلى المستحبات، وهو المقام الأول من الورع، وعن الفضول؛ شفقة على خلق الله، وهو ما لا يعني إلى ما يعني. وهو المقام الثاني من الورع عما يجر إلى الفضول، وهو مقام الزهد. فالآية جامعة لمقامي الإخلاص الناظر أحدهما إلى الحق، والثاني إلى الخلق. انتهى.

ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة [البينة: 5] أي: دين الملة المستقيمة، والشريعة المتبوعة.

[ ص: 80 ] وقال تعالى: ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا وما ليس لهم به علم [الحج: 71] من دليل يدل على جواز ذلك؛ أي: الشرك وما للظالمين بالإشراك من نصير ينصرهم ويدفع عنهم عذاب الله.

وقال تعالى: أإله مع الله أي: هل معبود معه سبحانه حتى يقرن به ويجعل شريكا له في العبادة؟ بل هم قوم يعدلون [النمل: 60] يسوون بالله غيره، ويعدلون عن الحق، وهو التوحيد، إلى الباطل، وهو الشرك. ولفظ بل هم بعد الخطاب أبلغ في تخطئة رأيهم.

وقال تعالى: ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون [القصص:62]. فيه إيذان بأنه لا شيء أجلب لغضب الله من الإشراك به، كما لا شيء أدخل في مرضاته من توحيده.

وقال تعالى: إنما تعبدون من دون الله أوثانا [العنكبوت: 17] لا تنفع ولا تضر، ولا تسمع ولا تبصر وتخلقون إفكا أي كذبا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا أي: شيئا منه فابتغوا عند الله الرزق واطلبوه من فضله واعبدوه أي: وحدوه، ولا تعبدوا غيره سبحانه. والآية الشريفة جامعة لبيان الشرك في العبادة، وفي التصرف.

وعن ثوبان قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تقوم الساعة حتى يلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان».

قال بعض أهل العلم: يعني: أن الشرك على نوعين:

أحدهما: أن ينحت صورة فيعبدها، وهذا يقال له في اللسان العربي: الصنم.

والثاني: أن يعبد مكانا، أو شجرا، أو حجرا، أو خشبة، أو قرطاسا ينسب إلى اسم أحد من الكبراء والعظماء، وهذا يقال له في لغة العرب: الوثن. [ ص: 81 ] ويدخل فيه القبر، واللحد، ومكان الأربعين، والقضبان، والتعزية، والأعلام، وما يقال له بالهندية: شده، ومهدي الإمام قاسم، والشيخ الجيلي، ومنصة الإمام، ومجلس الأستاذ، والشيخ. فإن أهل الشرك يعظمون هذه الأشياء، وينذرون هناك نذورا، ويطلبون المرادات بالسفر إليها. وكذلك الطاق المنسوب إلى اسم الشهيد، أو السيد، والراية، والمدفع الذي ينذرون عليه التيس، ويحلفون به. ومثلها الأمكنة التي عرفت باسم الأمراض والأسقام؛ كمكان الجدري، ومكان آلهة الهنود التي يقال لها بالهندية: مساني، أو بهواني، أو كالي، أو براهي. فهذه كلها يصدق عليها مسمى الوثن. وقد أخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن المسلمين الذين يشركون عند قرب الساعة شركهم يكون من هذا القبيل. فإنهم يعتقدون هذه الأشياء، ويؤمنون بها، ويعظمونها. بخلاف المشركين الآخرين؛ كمشركي العرب، والهنود، فإن أكثرهم عابدو الصنم، يعني: يعظمون الصور. وكل طائفة من هاتين الطائفتين مشركة بالله العلي العظيم، عدو لرسوله الكريم.

«وأنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي الله، وأنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي». فيه معجزة ظاهرة، وآية بينة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد وقع ما أخبر به بعده -صلى الله عليه وسلم- ووجد الكذابون الثلاثون، أو أقل، وسيوجد سائرهم. [ ص: 82 ] وقد ذكر أسماءهم صاحب «الإذاعة» فيها، و «البرزنجي» في «الإشاعة». والزعم يشمل من صرح بنبوته، ومن لم يصرح، وأضمرها في نفسه. فيدخل في الحديث كل داعية إلى الضلالة والهوى، والناهية عن شرع النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم.

ومنهم من طالت فتنته في هذا الزمان الحاضر في بلاد الهند، وأضل ناسا كثيرين، وأخرجهم من النور إلى الظلمات، وجمع مالا عدا، وسافر إلى قرى كثيرة، وصاحب أمراء الدولة الضالة، واستعان بهم في إشاعة طريقه المبني على المذهب الدهري، مع إنكار المعاد الجسماني، وإبطال وجود الملائكة والجن بزعمه الباطل، وانتصر له جمع من الأوغاد فـ ويل لكل همزة لمزة كلا لينبذن في الحطمة وما أدراك ما الحطمة نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة إنها عليهم مؤصدة في عمد ممددة [الهمزة: 1 9].

التالي السابق


الخدمات العلمية