الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
معنى الفأل والطيرة

قال أبو السعادات: «الفأل» مهموز، وهو فيما يسر ويسوء، و «الطيرة» لا تكون إلا فيما يسوء.

وربما استعملت فيما يسر، يقال: تفاءلت بكذا، وتفاولت -على التخفيف - وقد أولع الناس بترك الهمزة تخفيفا.

وإنما أحب الفأل؛ لأن الناس إذ أملوا فائدة الله، ورجوا عائدته عند كل سبب ضعيف أو قوي، فهم على خير.

وإذا قطعوا أملهم ورجاءهم من الله تعالى، كان ذلك من الشر.

وأما الطيرة، فإن فيها سوء الظن بالله، وتوقع البلاء. والتفاؤل: أن يكون رجل مريض، فسمع آخر يقول: يا سالم.

أو يكون طالب ضالة، فسمع آخر يقول: يا واجد.

فيقع في ظنه أنه يبرأ من مرضه، أو يجد ضالته. ومنه حديث: ما الفأل ؟ قال: «الكلمة الطيبة» انتهى .

ويدل له أيضا حديث أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم - كان يعجبه إذا خرج أن يسمع: «يا راشد، يا نجيح !» رواه الترمذي.

وفيه دلالة على أن الفأل ليس من الطيرة المنهي عنها. قال ابن القيم -رحمه الله-: ليس في الإعجاب بالفأل ومحبته شيء من الشرك.

بل ذلك إبانة عن مقتضى الطبيعة، وموجب الفطرة الإنسانية التي تميل إلى ما يوافقها ويلائمها.

كما أخبرهم صلى الله عليه وسلم- أنه حبب إليه من الدنيا: النساء والطيب.

[ ص: 152 ] وكان يحب الحلواء والعسل، ويحب حسن الصوت بالقرآن، والأذان، ويستمع إليه. ويحب معالي الأخلاق ومكارم الشيم.

وبالجملة: كان يحب كل كمال وخير، وما يفضي إليهما.

والله سبحانه قد جعل في غرائز الناس الإعجاب بسماع الاسم الحسن، ومحبته، وميل نفوسهم إليه.

وكذلك جعل فيها الارتياح والاستبشار، والسرور باسم الفلاح، والسلام، والنجاح، والتهنية، والبشر، والفوز، والظفر، ونحو ذلك.

فإذا قرعت هذه الأسماع، استبشرت بها النفوس، وانشرح لها الصدور، وقوي بها القلب.

وإذا سمعت أضدادها، أوجبت ضد هذا الحال، فأحزنها ذلك، وأثار لها خوفا وطيرة، وانكماشا، وانقباضا عما قصدت له وعزمت عليه، فأورث لها ضررا في الدنيا، ونقصا في الإيمان، ومقارفة الشرك.

وقال الحليمي: وإنما كان صلى الله عليه وسلم- يعجبه الفأل ؛ لأن التشاؤم سوء ظن بالله تعالى، بغير سبب محقق، والتفاؤل: حسن ظن به، والمؤمن مأمور بحسن الظن بالله تعالى في كل حال، وعلى كل حال.

ولأبي داود بسند صحيح مرسلا عن عروة بن عامر، قال: ذكرت الطيرة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم-، فقال: «أحسنها الفأل، ولا ترد مسلما».

قال الطيبي: تعريض بأن الكافر بخلافه.

يعني: لا تمنع الطيرة مسلما عن حاجته، فإنه ليس من شأن المسلم، وإنما هو من شأن الكافر.

ويدل له حديث بريدة: أن النبي صلى الله عليه وسلم-: كان لا يتطير بشيء، فإذا بعث عاملا سأل عن اسمه، فإذا أعجبه اسمه، فرح به، ورئي بشر وجهه، وإن كره اسمه، رئي كراهية ذلك في وجهه.

وإذا دخل قرية، سأل عن اسمها، فإذا أعجبه اسمها فرح به، ورئي بشر [ ص: 153 ] ذلك في وجهه، وإن كره اسمها رئي كراهة ذلك في وجهه.
رواه أبو داود، وإسناده حسن، وهذا فيه استعمال الفأل.

التالي السابق


الخدمات العلمية