الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
معنى «مناة»

وأما «مناة»، فكانت بالمشلل عند «قديد» بين مكة والمدينة، وكانت خزاعة، والأوس والخزرج يعظمونها ويهلون منها للحج.

وأصل اشتقاقها من اسم «المنان»، وقيل: لكثرة ما يمنى - أي: يراق عندها من الدماء للتبرك بها.

قال البخاري، في حديث عروة عن عائشة: إنها صنم بين مكة والمدينة. قال ابن هشام: فبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليا، فهدمها عام الفتح.

وقال ابن كثير: بعث خالد بن الوليد في غزوة بني المصطلق فكسرها.

فمعنى الآية الشريفة كما قال القرطبي -: أفرأيتم هذه الآلهة؟ أنفعت أو ضرت حتى تكون شركاء لله ؟ انتهى.

وبالجملة، فالتبرك بالشجر، والقبر، والحجر، إن كان من الشرك الأكبر، فهو واضح، وإن كان من الشرك الأصغر، فالسلف يستدلون بما نزل في الأكبر على الأصغر.

ومناسبة الدليل بالمدلول عليه من جهة أن عباد هذه الأوثان إنما كانوا يعتقدون حصول البركة منها، بتعظيمها، ودعائها والاستعانة بها، والاعتماد عليها في حصول ما يرجونه منها ويأملونه ببركتها، وشفاعتها، إلى غير ذلك من الشرك بقبور الصالحين؛ كاللات، وبالأشجار والأحجار ؛ كالعزى والمناة، [ ص: 234 ] فهذه الجملة من أفعال أولئك المشركين مع تلك الأوثان.

فمن فعل مثل ذلك، واعتقده، في حجر، أو شجر، قد ضاهاهم فيما كانوا يفعلون.

على أن الواقع من مشركي هذه الأزمنة مع معبوديهم ومعظميهم من القبور والمشاهد، ذوات القباب والجنابذ، أعظم مما وقع من أولئك.

وفي حديث أبي واقد الليثي - رضي الله عنه -: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين، ونحن حدثاء عهد بالكفر.

وفي رواية أخرى عن عمرو بن عوف عند أبي حاتم، وابن مردويه، والطبراني، قال: غزونا مع رسول صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، ونحن ألف ونيف، حتى إذا كنا بين حنين والطائف إلخ، ومعنى حدثاء عهد: قريبو العهد بالكفر.

ففيه دليل على أن غيرهم، ممن تقدم إسلامه من الصحابة، لا يجهل هذا، وأن المنتقل من الباطل الذي يعتاده قلبه، لا يأمن أن يكون فيه بقية من تلك العادة.

التالي السابق


الخدمات العلمية