الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
هتك الأعراض والطعن فيها من أعظم الجرائم

قال في «الفتح الرباني»: إن من أقبح أنواع الظلم: ما يرجع إلى الأعراض؛ من غيبة، أو نميمة، أو شتم، أو قذف، أو سب، أو لعن، وقد ثبت جعل العرض مقترنا بالدم في التحريم، وما أكثر الظلمة للأعراض؟! فإن الظلمة في الدماء والأموال قليلون بالنسبة إلى من يظلم الناس في أعراضهم؛ لأن غالب الناس لا يستطيعون أن يظلموا الناس في دمائهم وأموالهم. بخلاف الظلم في الأعراض؛ فإنه لما كان مقدورا لكل أحد، تتابع فيه كثير من الناس، ووقع فيه كثير من أهل العلم والفضل، زين ذلك لهم الشيطان، حتى صاروا في عداد الظلمة للدماء والأموال، بل أشر منهم عدم النفع لهم. [ ص: 493 ] فإن الظلمة في الدماء، شفوا أنفسهم بالوقوع في هذه المعصية، وكذلك الظلمة في الأموال قد انتفعوا بما أخذوه من الأموال. وأما الظلمة في الأعراض، فليس لهم إلا مجرد المعصية المحضة، والذنب العظيم والظلم الخالي عن النفع، مع أنه أشد على الهمم الشريفة والأنفس الكريمة من ظلم الدم والمال، كما قال الشاعر:


يهون علينا أن تصاب جسومنا وتسلم أعراض لنا وعقول

وقد ثبت في «الصحيحين»، وغيرهما من حديث أبي بكرة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في خطبته في حجة الوداع: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟». وأخرج مسلم وغيره من حديث أبي هريرة : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وعرضه، وماله».

وأخرج أبو يعلى بإسناد رجاله رجال الصحيح، من حديث عائشة، قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: «أتدرون أربى الربا عند الله؟»، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «فإن أربى الربا عند الله تعالى، استحلال عرض امرئ مسلم»، ثم قرأ: والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا [الأحزاب: 58] الآية.

وأخرجه أيضا البزار بإسناد قوي من حديث أبي هريرة، وأخرجه أيضا أبو داود من حديث سعيد بن زيد.

وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب «ذم الغيبة» من حديث أنس بن مالك، قال: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فذكر أمر الربا، وعظم شأنه، وقال: «إن الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله في الخطيئة من ست وثلاثين زنية يزنيها الرجل، وإن أربى الربا، عرض الرجل المسلم».

وفي حديث البراء بن عازب عند الطبراني بإسناد لا بأس به يرفعه: الربا [ ص: 494 ] اثنان وسبعون بابا، أدناها مثل إتيان الرجل أمه، وإن أربى الربا، استطالة الرجل في عرض أخيه».

وفي حديث ابن عباس مرفوعا: وأشد الربا وأربى وأخبث الربا انتهاك عرض المسلم، وانتهاك حرمته». وقد ثبت النهي القرآني عن الغيبة، وتمثيل ذلك بأكل الميتة.

التالي السابق


الخدمات العلمية