الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 421 ] بيان حكم إطلاق كلمة "السيد" على غير الله تعالى

وعن مطرف بن عبد الله بن الشخير، قال: انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا: أنت سيدنا، فقال: "السيد الله" الحديث رواه أبو داود. وقد تقدم بشرحه في هذا الكتاب.

وفي آخره: "ولا يستجرينكم الشيطان" .

وبالجملة: فيه دلالة على المنع من إفراط التعظيم فيما بينهم، ولكن ورد من الأدلة - بعد هذا - ما يدل على جواز إطلاق هذا اللفظ. ذكره الشوكاني في "الفتح الرباني" ، وأقام عليه أربع عشرة حجة، لا نطول بذكرها جميعا.

منها: ما صح عنه صلى الله عليه وسلم: أنه قال: "أنا سيد ولد آدم" ، وهذا يفيد أنه سيد الأحياء والأموات منهم.

والمراد بما في حديث الباب: أن الفرد المطلق في السيادة، هو الله تعالى، كما يدل على ذلك آلة التعريف في "السيد" ; فإنها في مثل هذا المقام تفيد الحصر، والحصر ادعائي لقصد المبالغة، لا حقيقي.

وإنما قال هذا لوفد بني عامر; لأنه قد فهم من مقصدهم أنهم أرادوا بالسيد: المعنى الذي لا يصح إطلاقه على البشر، ولم يريدوا به المعنى الذي يطلقه البشر على الأنبياء وغيرهم، ويؤيده ما قاله لهم من بعد: "ولا يستجرينكم الشيطان" ، وفي رواية: "ولا يستهوينكم الشيطان" .

ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم في الحسن والحسين: "إنهما سيدا شباب أهل الجنة" ، و "أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة" ، و "إن ابني هذا سيد، يصلح الله به بين الفئتين" و "قوموا إلى سيدكم" ، وقال لقيس بن عاصم: "هذا سيد أهل الوبر" ، وهو إذ ذاك مشرك.

وقوله: "كل بني آدم سيد، فالرجل سيد أهل بيته، والمرأة سيدة أهل بيتها" .

[ ص: 422 ] وقوله للأوس: "انظروا إلى سيدكم ما يقول" ، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تقولوا للمنافق: سيد" .

ومن تتبع، وجد أضعاف ذلك، بل قد صرح بذلك الكتاب العزيز، قال تعالى: وسيدا وحصورا [آل عمران: 39]، فهذا فيه إطلاق لفظ "السيد" على البشر.

وقد جرى على ألسن الصحابة والتابعين وتابعيهم من إطلاق ذلك على البشر نظما ونثرا، ما لا يأتي عليه الحصر.

قال في "النهاية" : "السيد" يطلق على الرب، والمالك، والشريف، والفاضل، والكريم، والحليم، ومتحمل أذى قومه، والزوج، والرئيس، والمقدم، والله أعلم.

وبالجملة: لا شك في جواز إطلاقه على غيره سبحانه.

وأما إذا أراد به معنى لا يصح في حق البشر; كما في حديث الباب، فهو من باب الإفراط في التعظيم المنهي عنه.

التالي السابق


الخدمات العلمية