الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في ترتيب منازلهم إذا اجتمع رجال ونساء]

                                                                                                                                                                                        وإن اجتمع رجال ونساء، فإن لم يكن في الرجال أب بدئ بالنساء من كن، ولا مدخل للرجال إلا بعد عدمهن، وأما الأب فتبدى عليه أم ذلك الولد وجدته لأمه قولا واحدا.

                                                                                                                                                                                        واختلف فيما سواهما على أربعة أقوال: فقال مالك في كتاب محمد: هو متقدم على الخالة، ولم يقدم عليه إلا الأم والجدة للأم، وجعله في المدونة مقدما على الأخت إلى من بعدها، ولم ير في كتاب ابن حبيب مدخلا إلا بعد [ ص: 2562 ] عدم جميع النساء.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في كتاب المدنيين: تبدى عليه الخالة، ويبدى هو على أمه.

                                                                                                                                                                                        والأصل في تبدئة الأم على الأب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للتي سألته قالت: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، فزعم أبوه أنه أحق به مني، فقال لها: "أنت أحق به ما لم تنكحي".

                                                                                                                                                                                        ونهيه - صلى الله عليه وسلم - عن التفرقة بين الأم وولدها في البيع، وليس ذلك للأب، فدل ذلك على قوة سببها فيه على الأب في حال الصغر، ولأن المبتغى حينئذ حفظ الولد وصيانته والرفق به، ولا يختلف أن الأم أقوى على ذلك من الأب.

                                                                                                                                                                                        وأما الخالة فالأصل في تبديتها حسب ما تقدم حديث بنت حمزة: "تنازع حضانتها علي بن أبي طالب، وجعفر، وزيد بن حارثة - رضي الله عنهم -، فقال علي: أنا آخذها وهي بنت عمي. وقال جعفر: بنت عمي وخالتها عندي. وقال زيد بن حارثة: بنت أخي. فقضى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخالتها، وقال: "الخالة بمنزلة الأم"، وقال لعلي. "أنت مني وأنا منك". وقال لجعفر: "أشبهت خلقي وخلقي". وقال لزيد: "أنت أخونا ومولانا". أخرجه البخاري. [ ص: 2563 ]

                                                                                                                                                                                        وأما تقدمة النساء على الرجال الأب وغيره؛ فلأن المعهود من القيام بالأطفال في التربية وسياستهم إلى النساء، لما جبلن عليه من ذلك، ولهن من الصبر والابتذال فيما يحتاجون إليه ما ليس للرجال، ولأنه لا يخلو الأب أن يكون عزبا أو ذا زوجة، فإن كان عزبا كان الولد معه ضائعا; لعجزه عن التربية، وإن تصرف بقي الولد ليس له من يسوسه، وإن كان له أهل فإن المعروف أنه يكله إلى زوجته، ومعلوم من زوجة الأب الجفاء والقسوة لربيبها، فكان الأخت والعمة أولى، إلا أن يكون الأب ممن يلازم المسكن في غالب أمره فيكون أحق ما لم يغب، فإن سافر رد إلى الأخت والعمة، ولم يترك مع زوجة الأب.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية