الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في القراءة في الصلاة

                                                                                                                                                                                        القراءة في الصلاة فرض على الفذ والإمام دون المأموم، ثم هي متعينة بأم القرآن. والأصل في ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعدا" أخرجه " البخاري ومسلم . وقوله - صلى الله عليه وسلم -: " كل صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج، فهي خداج، فهي خداج غير تمام" .

                                                                                                                                                                                        ولا يعترض هذا بقوله - صلى الله عليه وسلم - للأعرابي: " اقرأ بما تيسر معك من القرآن" لأنها نازلة في عين والأول شرع أقامه لجميع الناس; لأن الظاهر من الأعرابي أنه لا يحسن القرآن; لأن من لا يحسن الظاهر من الأعمال كالركوع والسجود أحرى ألا يحسن القراءة; ولإمكان أن يكون لم ينزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - في حين قوله ذلك أنها تختص بفاتحة الكتاب. [ ص: 267 ]

                                                                                                                                                                                        وأما المأموم فإنه لا يقرأ إذا جهر إمامه ، واختلف إذا أسر، فقال مالك وابن القاسم: يقرأ، وقال ابن وهب : لا يقرأ خلفه، وحكى محمد بن المواز عن أشهب أنه لم يكن يقرأ خلف الإمام .

                                                                                                                                                                                        وقال محمد بن عبد الحكم: يقرأ خلف الإمام، فإن لم يفعل أجزأه; لأن الناس مجمعون على أن من أدرك الإمام راكعا فركع معه أنها تجزئه، ويعتد بها، فلو كان تارك القراءة خلف الإمام لا يعتد بها- لم تجزئه هذه الركعة.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رحمه الله-: اختلف الناس في القراءة خلف الإمام على ثلاثة أقوال: فقيل: عليه أن يقرأ، جهر الإمام أو أسر. وقيل: لا يقرأ على حال. وقيل: إن جهر لم يقرأ، وإن أسر قرأ.

                                                                                                                                                                                        واحتج من ألزم القراءة في الحالتين بأحاديث الأول: " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" ، وحمل الحديث على عمومه في الفذ والإمام، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: " كل صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج، فهي خداج، غير تمام" . قيل: يا أبا هريرة، إني أكون أحيانا خلف الإمام. قال: اقرأ بها في نفسك يا فارسي .

                                                                                                                                                                                        وفي الترمذي قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الصبح فثقلت عليه القراءة، فلما انصرف قال: " إني أراكم تقرءون خلف إمامكم؟ " قلنا: إي والله يا رسول الله، قال: " فلا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة إلا بها" ، وهذا حديث صحيح. [ ص: 268 ]

                                                                                                                                                                                        واحتج من نفى القراءة إذا جهر وأثبتها إذا أسر بحديث أبي هريرة قال: " انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من صلاة جهر فيها بالقراءة، فقال: هل قرأ أحد معي منكم آنفا. فقال رجل: أنا يا رسول الله. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إني أقول ما لي أنازع القرآن، قال: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما جهر فيه" . ومفهوم الحديث أنهم نهوا عن القراءة في الجهر .

                                                                                                                                                                                        ويحتج لمن قال: لا يقرأ مع الإمام على حال بالحديث الذي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " فإذا قرأ الإمام فأنصتوا" أخرجه مسلم ، ولم يفرق بين السر والجهر.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن عمر في الموطأ: " إذا صلى أحدكم خلف الإمام فحسبه قراءة الإمام، وإذا صلى وحده فليقرأ" ، قال نافع: وكان ابن عمر لا يقرأ خلف الإمام . وقد كان ابن عمر أكثر الناس اتباعا واقتصاصا لأفعال النبي - صلى الله عليه وسلم -، [ ص: 269 ] والصلاة مما يتكرر في اليوم خمس مرات، فلو كان العمل على القراءة خلف الإمام لقرأ ابن عمر ولم يفت الناس بخلاف ذلك.

                                                                                                                                                                                        وقال جابر: من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصل، إلا وراء الإمام .

                                                                                                                                                                                        وذكر الطحاوي في شرح معاني الآثار عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " من كان له إمام فقراءة الإمام قراءة له" ، وعن علي - رضي الله عنه - قال:" من قرأ خلف الإمام فليس على الفطرة" . [ ص: 270 ]

                                                                                                                                                                                        وعن ابن مسعود قال: ليت الذي يقرأ خلف الإمام ملئ فوه ترابا . وقال زيد بن ثابت وابن عباس: لا يقرأ خلف الإمام .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية