الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في حدوث العيب في الهبة هل يمنع الاعتصار أم لا؟]

                                                                                                                                                                                        تعتصر الهبة وإن تغير سوقها بزيادة أو نقص ، واختلف إن حدث بها عيب ، هل يمنع الاعتصار؟

                                                                                                                                                                                        والقول : إن ذلك له . أحسن; لأن مضرة ذلك العيب على الواهب ، وإن زاد فكان صغيرا فكبر أو هزيلا فسمن كان فوتا ، إلا أن يكون الأب هو المنفق على العبد وبماله نما ، فلا يكون فوتا ، وهو قول محمد .

                                                                                                                                                                                        وكذلك إن كانت أمة فزوجها فله أن يعتصرها على أحد القولين; لأن التزويج عيب ، وإن ولدت كان له أن يأخذ الأمة دون ولدها والزوجة بحالها; لأن الزوجية عيب ، فلا تفيت ، والولد إنما بمال السيد; لأن الزوج المنفق على الزوجة والسيد المنفق على الولد ، إلا أن يعتصره بفور الولادة .

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في كتاب المدنيين في من وهب جارية فولدت : له أن يعتصرها ، ولم يبين ، هل ذلك من زوج أو زنا .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا وطئها الابن فقال مالك وابن القاسم : ذلك فوت . وقال يحيى بن عمر : إن غاب عليها وادعى أنه وطئ كان فوتا . وقال المخزومي في كتاب محمد : له أن يعتصر ، وإن وطئها . [ ص: 3527 ]

                                                                                                                                                                                        يريد : لأن الوطء ليس بزيادة ولا نقص ، ولم يتهمهما أن يكونا عملا على ذلك ، فأشبه لو قبض منافع العبد ، والأول أحسن إن كانت من العلي لأنها لمثل ذلك توهب إلا أن تكون من الوخش فهو أخف . ولو كانت أرضا فغرسها أو بناها كان فوتا ، وإن كانت دارا فانهدمت لم يكن فوتا ، ولو هدمها الابن لأشبه أن يكون فوتا; لأنه أخرج في ذلك ثمنا ، إلا أن يعتصر العرصة وحدها .

                                                                                                                                                                                        وذكر سحنون عن ابن القاسم في من وهب لولده الصغير دنانير فصاغها له حليا ، فليس له أن يعتصر; لأنه أحالها عن حالها ، قال : بمنزلة ما لو اشترى له بها جارية ، ثم أراد اعتصارها ، وليس السؤالان سواء إذا كانت الإجارة على الصياغة منها; لأن عين الهبة موجود ولم ينمها الولد بماله ، فإذا اشترى له بها جارية كانت هبته وهي الدنانير صارت لبائع الجارية ، والذي في يديه غير الهبة فذلك فوت . [ ص: 3528 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية