الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في ذكر بعض موانع الاعتصار]

                                                                                                                                                                                        وإن دوين الابن أو تزوجت الابنة لأجل تلك الهبة أو مرض الأب أو الابن امتنع الاعتصار . وقال محمد : يمنع الاعتصار إذا داينه الناس لأجلها . يريد : وإن لم يداين لأجلها لقلتها أو لأن الابن موسر فإنها تعتصر .

                                                                                                                                                                                        وأرى أن يعتصر إذا استدان وعنده وفاء بدينه; لأن الولد لو أراد أن يهب تلك الهبة لم يكن للغريم مقال ، وإنما يمنع الاعتصار إذا تعلق للغريم بها حق ، وكذلك إن لم يكن عنده سوى الهبة ، ثم اشترى سلعة للتجارة; لأن الابن موسر بالقضاء ، وإن كانت المداينة لطعام يأكله أو ثياب يلبسها امتنع الاعتصار; لأن المداينة لأجل الهبة ، وليكون القضاء منها ، وكذلك الصداق إن لم يتزوج لتلك الهبة; لأنها قليلة أو كثيرة وهو بين اليسار ، كان له أن يعتصر ، إلا أن تكون كثيرة ، ولولا هي لم يتزوج إليه ، وإن كان يرغب فيه لأجلها ولو لم تكن له لم يمتنع التزويج فإن له أن يعتصرها . [ ص: 3529 ]

                                                                                                                                                                                        وقال ابن دينار في كتاب ابن حبيب : له أن يعتصر من الابن بعد التزويج ولا يعتصر من الابنة . قال من قبل أن الابنة دخلت فيما لا مخرج لها منه ولا إليها والابن له مخرج إن قامت قال لها : إن شئت قطعت اللسان الذي تكلميني به ففارقتك .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رحمه الله- : وهذا صحيح; لأن تزويج الابن لمكان الهبة بخلاف الابنة ; لأن للابن إذا كان موسرا بالصداق أن يتصدق بتلك الهبة ، فلا حق لها فيها ، وليس كذلك الابنة ; لأن للزوج أن يمنعها من مثل ذلك ، وإن كانت الهبة قدر ثلث مالها كان له أن يعتصر .

                                                                                                                                                                                        قال محمد : إن مرض الأب أو الابن امتنع الاعتصار . وروى أشهب في كتاب محمد عنه أن للأب أن يعتصر وإن كان مريضا . وقال أيضا : لا يعتصر; لأنه حينئذ يعتصر لغيره ، وإن كان الابن هو المريض فلا أدري .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن نافع : للسيد أن يعتصر مال مدبره وأم ولده في مرضه ، وإن [ ص: 3530 ] كان الانتزاع حينئذ لغيره ، وعلى هذا يكون للأب أن يعتصر في مرضه ، وإذا امتنع الاعتصار لدين فقضي أو لنكاح فطلق الابن أو طلقت الابنة لم يعد الاعتصار .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا امتنع الاعتصار لمرض الأب أو الابن ثم برئ ، فذكر ابن حبيب عن مالك أنها لا تعتصر ، وقال المغيرة وابن دينار وابن القاسم وابن الماجشون : يعتصر .

                                                                                                                                                                                        وهو أبين; لأن المنع إنما كان لأن الظاهر أنه مرض موت ، فإذا صح تبين لهم أنهم أخطأوا وأنه مرض لا يموت منه ، ولو اعتصر في ذلك المرض ثم صح ، ثبت وقد تبين أنه كان اعتصارا صحيحا ، وقد قيل : إذا طلب الاعتصار في المرض ، فمنع منه ثم صح لم يعد الاعتصار . وليس بحسن ، والوجه ما تقدم ، وأرى أن يكون اعتصاره موقوفا ، فإن مات سقط ، وإن صح ثبت ، وقد تبين أنه كان اعتصارا صحيحا . [ ص: 3531 ]

                                                                                                                                                                                        وإن كانت الهبة بعد التزويج أو بعد المرض أو بعد ما داين الناس كان له أن يعتصر ، وقال ابن الماجشون : ليس ذلك له .

                                                                                                                                                                                        وليس بحسن ، وقد يحسن مثل هذا في المداينة خاصة إذا كان قصده أن يقضي منها دينه; فيكون للابن أن يمنعه من ذلك .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية