الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في إعادة الصلاة في جماعة ومن كان في صلاة فأقيمت عليه تلك الصلاة أو غيرها

                                                                                                                                                                                        ولمن صلى فذا أن يعيد تلك الصلاة في جماعة، وذلك في أربع صلوات: الصبح، والظهر، والعصر، والعشاء إذا لم يوتر، واختلف في المغرب وفي العشاء إذا أوتر، فقال مالك: لا يعيد المغرب، وإن أقيمت الصلاة وهو في المسجد فليخرج .

                                                                                                                                                                                        وقال المغيرة: يعيدها. وقال مالك في العتبية: لا يعيد العشاء إذا أوتر .

                                                                                                                                                                                        وقال سحنون في المجموعة: فإن أعادها أعاد الوتر، وقال يحيى بن عمر: لا يعيد الوتر .

                                                                                                                                                                                        وعلى قول المغيرة: يعيد العشاء ابتداء وإن كان قد أوتر.

                                                                                                                                                                                        فمن منع إعادة المغرب قال: لأن الآخرة نافلة ولا يتنفل بثلاث.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم: إن أعادها أضاف إليها رابعة لينصرف على شفع .

                                                                                                                                                                                        يريد: إذا أعادها بنية النفل، ولو نوى رفض الأولى لتكون هذه فرضه- لم يشفعها; لأن الاحتياط لفرضه أولى، فيخرج من الخلاف أن هذه تعود فرضه.

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب في مدونته: إن صلى ركعتين وسلم رأيت ذلك واسعا.

                                                                                                                                                                                        وأرى إن أعاد العشاء بنية النفل لم يعد الوتر، وإن أعادها بنية الفرض أعاد الوتر. [ ص: 334 ]

                                                                                                                                                                                        وينبغي إذا كان الوجه في المنع لأن الآخرة نافلة ألا يعيد العصر ولا الصبح، وهو قول عبد الله بن عمر; قال في الموطأ: لا يعيد الصبح ولا المغرب . وقال أبو حنيفة: لا يعيد الصبح ولا العصر.

                                                                                                                                                                                        ورأى أن الآخرة نافلة، وإذا سلم مالك وغيره من أصحابه أن له أن يعيد الصبح والعصر دل على أن الآخرة ليست بنافلة، وأن يعيد المغرب كما قال المغيرة، وهو أحسن; لحديث محجن قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إذا جئت فصل مع الناس، وإن كنت قد صليت" ، فعم، ولو كان ذلك في بعض الصلوات لبينه، ولم يجز تأخير البيان في ذلك. ولحديث معاذ كان يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يأتي قومه فيؤمهم ، ولم يخص شيئا من الصلوات، وفي بعض طرقه أنه كان يصلي المغرب ثم يؤم قومه .

                                                                                                                                                                                        ولحديث الأسود قال: " شهدت الصبح مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجته بمسجد الخيف، فلما انصرف رأى رجلين لم يصليا معه، فقال: علي بهما، فقال: [ ص: 335 ]

                                                                                                                                                                                        ما منعكما أن تصليا معنا؟ فقالا: يا رسول الله، كنا صلينا في رحالنا. فقال: لا تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم، فإنها لكم نافلة"
                                                                                                                                                                                        . أي: زيادة على الواجب، والذي يؤيد أن الآخرة فرض أنهم قالوا: إن صلى فذا أعاد الآخرة في جماعة; ليدرك فضلها، قال أبو محمد عبد الوهاب : ليدرك فضل الجماعة على ما وردت به السنة . واحتج بالحديث: " صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة" . وإن صلى في جماعة لم يعد، فلو كانت الآخرة نافلة لأعاد من صلى جماعة في جماعة بعد جماعة; لأن النفل لا يقف على عدد.

                                                                                                                                                                                        وقال عبد الملك بن حبيب فيمن صلى في جماعة: لا يعيد في جماعة إلا أن يكون التي صلى في جماعة بمكة أو بالمدينة أو بيت المقدس، ثم دخل المسجد الحرام أو مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - أو مسجد بيت المقدس فوجد الناس في الصلاة أو أقيمت تلك الصلاة، فإنه يؤمر أن يصلي معهم وإن كان قد صلاها في جماعة، وذلك لفضل الصلاة فيها على غيرها .

                                                                                                                                                                                        قال: ولهذا استحب مالك لمن صلى في جماعة في غير هذه المساجد ثم دخل بعض هذه المساجد وهم فيها أن يصليها معهم، قال: ألا ترى أنه إنما أمر من صلى وحده ثم أتى مسجدا وهم فيها أن يصليها معهم; لفضل الجماعة على [ ص: 336 ] الفذ. يريد ليدرك فضل الجماعة السبع وعشرين درجة.

                                                                                                                                                                                        ويلزم على قوله أن لمن صلى في جماعة ثم أتى أحد هذه المساجد- أن يعيد فيها فذا; لأنه أعظم أجرا.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك فيمن أتى المسجد الحرام أو مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وقد صلى أهله، وهو يطمع أن يدرك الجماعة في غيره- أنه يصليها فيه فذا ولا يخرج إلى جماعة في غيرها قال: لأن الصلاة فيها فذا أعظم من الجماعة في غيرها .

                                                                                                                                                                                        وهذا الذي قاله صحيح، ومحمل الحديث أن صلاة الجماعة تزيد على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة، أن ذلك إذا صليتا جميعا في مسجده أو جميعا في غير مسجده، فأما إن صليت إحداهما في غير مسجده، والأخرى في مسجده فإنها تضعف عليها بألف إذا صليتا جميعا فذا أو جميعا في جماعة، فإن صليت في غير مسجده فذا وصلاها آخر في مسجده جماعة فإنها تفضل بسبع وعشرين ألف درجة . [ ص: 337 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية