الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في بيع الأمة وولدها أو بيعها حاملا فتأتي بولد، أو غير حامل فيظهر بها حمل فيدعي البائع الولد]

                                                                                                                                                                                        وإذا باع الأمة وولدها أو باعها حاملا فاتت بولد، أو غير حامل فظهر بها حمل وولدته فادعى البائع الولد في جميع هذه الوجوه -صدق فيها، ورد إليه إن كانا قائمين لم يجر فيهما عتق، ولم تكن في الأم تهمة. [ ص: 4062 ]

                                                                                                                                                                                        واختلف في الولد في موضع واحد وهو إذا أعتق، وفي الأم في موضعين:

                                                                                                                                                                                        أحدهما: هل ترد عند عدم رجوع الولد إما بموته، أو لأنه أعتق ولم تعتق هي؟

                                                                                                                                                                                        والثاني: مع رجوع الولد وهو أن تعتق هي، أو يتهم فيها البائع لتعشق، أو لأنها رائعة، أو لأنه فقير فيردها متعة ولا ثمن عنده، فقيل: يردان جميعا، وسواء كان الولد أعتق أو لم يعتق، وعلى أي حال كانت الأم؛ لأن استلحاق النسب يرفع التهمة، وهو كالبينة له على ذلك، وإذا رد الولد إليه لم يصح بقاء الأم، ولا يبعض الحكم، فيكون الابن ولده، وأمه ليست بأم ولده.

                                                                                                                                                                                        وقيل: إن اتهم في الأم رد الولد وحده بما ينوبه من الثمن، وجعل ابن القاسم في العتبية التهمة التعشق أو زيادتها في نفسها أو فقر السيد المعترف بالولد، وكذلك إذا كانت رائعة. ولابن الماجشون عند ابن حبيب أن التهمة بالفقر خاصة، وإن كان موسرا ردت وإن كانت رائعة.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ: والأول أحسن، أنه لا يتبعض الحكم فيها، وأنها ترد برد ولدها. وإن ماتا عند المشتري كانت المصيبة من البائع، ورد الثمن، وكذلك إذا ماتت الأم رد الولد للبائع واسترجع منه جميع الثمن، وإن مات الولد، وبقيت الأم وصار الأمر إلى رجوع الأم وحدها من غير نسب يلحق به، لم ترد إلا في [ ص: 4063 ] وجه واحد وهو أن تكون دنية ولا يتهم فيها بتعلق نفس وهو موسر، فإن اتهم بتعلق نفس أو كانت رائعة أو كان معدما لم ترد، وفي كتاب الآبق من المدونة قولان: لا ترد، وترد مطلقا من غير تقييد. والأول أحسن.

                                                                                                                                                                                        واختلف أيضا إذا أعتقهما أو أحدهما، فقال ابن القاسم: إذا أعتق الولد لم يرد؛ لأن الولد قد ثبت، وينسب إلى أبيه، وترد الأم إن كانت دنية لا يتهم في مثلها، وإن أعتقها مضى العتق ويرد الثمن، وإن أعتقهما رد الولد، ولم يرد عتقها، وينسب إليه الولد، ولم يرد عتقها على أصله.

                                                                                                                                                                                        وحكى سحنون عن بعض أصحاب مالك أنهما يردان إليه وينقض العتق أعتقهما جميعا أو أحدهما. وهو أحسن؛ لأن ابن القاسم قال: لا يرد العتق وينسب إليه. وهذا ليس بشيء بين؛ لأنه إن كان عنده صادقا انتسب إليه ورد العتق، وإن كان كاذبا مضى العتق، ولم ينتسب إليه، وليس يجتمع العتق والانتساب إلى البائع. وأما قوله: يرد الثمن إذا أعتقها. فإن ذلك على أن المشتري يصدقه. [ ص: 4064 ]

                                                                                                                                                                                        فإن مات أحد المعتقين في حياته ورثه البائع، على قول ابن القاسم إذا صدقه المشتري، وإن كذبه لم يأخذ المال، وكان ميراث من مات منهما في حياته للمشتري؛ لأنه جعل للمشتري مقالا في الولد، وليس للبائع نزع ذلك منه. وقال عبد الملك بن الماجشون في كتاب ابن حبيب: يبدأ بالنسب قبل الولاء. فعلى هذا يكون للمشتري أن يسترجع الثمن الآن، وهذا في موت الابن، فأما إذا مات الأب فإن الابن يرث معهم كأحدهم.

                                                                                                                                                                                        قال عبد الملك عند ابن حبيب: وإن كان إقراره لمسيسها قد شهد عليه وسمع منه قبل بيعها ردت إليه، وإن لم يكن معها ولد معدما كان أو مليا اتهم حينها أو لم يتهم؛ لأنها بمنزلة أم ولد بيعت، قال: ولو كانت هي ادعت ذلك دونه وثبت إقراره بالوطء لكان القول قولها حيا كان أو ميتا.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رحمه الله: وإذا كان الحكم أن يرد الولد دون الأم إما لفقره أو لأنها رائعة أو لأنه متعلق النفس بها أو لأنها أعتقت وحدها، فإنه ينظر فإن كان الولد بيع معها قسم الثمن على ما يرى أنه ينوبه في يوم البيع على ما كانت حاله يومئذ.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كان يوم البيع حملا فولدته، فقال ابن القاسم في العتبية: يغرم قيمته يوم يقر به ولا ترد الأم. [ ص: 4065 ]

                                                                                                                                                                                        وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: قيمته يوم ولد.

                                                                                                                                                                                        وأجراه على الحكم فيمن استحق أمة وقد ولدت من المشتري، فقال أيضا فيها ابن القاسم: على الأب قيمته يوم الحكم. وقال المغيرة: قيمته يوم ولد.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية