الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في اشتراط القضاء في غير بلد القرض]

                                                                                                                                                                                        ومن أقرض طعاما ببلد ليقضيه بغيره لم يجز، إلا أن يقوم دليل على أنه أراد منفعة المستقرض وحده، وقال مالك في الحاج يسلف السويق والكعك يحتاج إليه، ويقول: أوفيكه في موضع كذا ببلد آخر: لا خير فيه، ولكن يتسلف ولا يشترط. وقال سحنون في الحمديسية: لا بأس بذلك للحاج ونحوه للضرورة، ولولا الشرط لم يسلفه.

                                                                                                                                                                                        وهو أحسن؛ لأن المقرض لا منفعة له في ذلك؛ لأن القرض يحتاجه في البلد الذي يصل إليه، ولا يسلفه ذلك ليقضيه في المناهل التي قبضه فيها؛ لأن ذلك مما يضر المقرض، ولا منفعة للمقرض في هذا الشرط؛ لأن المقرض كان يوصلها على راحلته إلى مكة فينتفع به هناك، وكذلك لو أخذه الذي يحتاج إليه بقبضه؛ لأنه وجبت مواساته، لوجب أن يقضيه له في موضع كان حمله [ ص: 4207 ] المقرض لينتفع به فيه؛ لأنه إن لم يقض له به في الوضع الذي يحتاجه فيه كان قد أضر بالمقرض، وانتفع المستقرض.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك فيمن أتى إلى رجل له زرع قد يبس، فقال: أسلفني فدانا أو فدانين أحصدهما وأدرسهما وأذريهما وأكيلهما وأقضيك كيلهما: لا بأس به إذا كان على وجه الرفق من المقرض، فيحصد الشيء اليسير من الشيء الكثير وما لا يخفف عن صاحبه مؤونة.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في الدنانير والدراهم يسلفها الرجل الرجل على أن يعطيه إياها ببلد آخر: لا بأس به إذا كان على وجه المعروف من المقرض والرفق بصاحبه وليس ليضمن له كما يفعل أهل العراق بالسفتجات. وقال أبو محمد عبد الوهاب: إذا كانت المنفعة للمعطي لما يخاف من غرر الطريق لم يجز ذلك. يريد: إذا لم يكن الهلاك وقطع الطريق غالبا، فإن كان ذلك الغالب صارت ضرورة، وأجيزت صيانة للأموال.

                                                                                                                                                                                        وقد قال مالك في كتاب محمد في الكراء المضمون يتأخر النقد: لا أحبه إلا [ ص: 4208 ] أن ينقد الثلثين وما أشبهه، ثم قال: قد اقتطع الأكرياء بأموال الناس، ورخص أن يؤخر الثمن كله، ويقدم الشيء اليسير الدينار ونحوه. وهذا هو الدين بالدين، فأجازه لئلا تهلك أموال الناس.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية