الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [لا يباع لأهل الحرب شيء مما يتقوون به في حروبهم]

                                                                                                                                                                                        قال مالك: ولا يباع لأهل الحرب شيء مما يتقوون به في حروبهم، من كراع أو سلاح أو خرثي أو نحاس. وقال ابن حبيب -في أهل العهد وتجار الحربيين: يمنعون من حمل السلاح والحرير والحديد والنحاس، والأدم والخيل والبغال والحمير، والغرائر والأخرجة والزفت والقطران، والشمع واللحم والسروج والمهامز، والبسط والكتان والصوف، والطعام من القمح والشعير. يريد: في الطعام في مثل الشدائد، يرجى تمنعهم أن يتمكن منهم. وأما الحرير والصوف والكتان والملابس فالأمر فيه خفيف، ولا يتجر إليهم بما كان من العبيد من دينهم، وإن قدموا إلينا لم يباعوا منهم؛ لاطلاعهم على عورة بلاد المسلمين، وهو في النساء أخف.

                                                                                                                                                                                        واختلف في مبايعة أهل الكتاب، وأهل الحرب بالدنانير والدراهم، فمنع ذلك في المدونة تنزيها لاسم الله سبحانه. وقال ابن كنانة: يمسها اليهودي والنصراني قديما وحديثا، لم يعب ذلك من أهل العلم علمناه أحد. وأباح مالك الاستنجاء بالخاتم فيه اسم الله، ومنعه ابن القاسم. فعلى قول مالك في [ ص: 4307 ] الخاتم يبيح الدراهم، وعلى قوله في الدراهم يمنع الخاتم. والمنع أحسن، لحديث أنس قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل الخلاء نزع خاتمه"، ولقول الله سبحانه: إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام [التوبة: 28].

                                                                                                                                                                                        فللمسجد حرمة ولأسماء الله تعالى حرمة. وقال الحسن: لا تصافحوهم للأمة. وقال ابن القاسم: لا يتعمد المسلم إلى مراباة النصراني بدار الحرب. قال محمد: وليتصدق بقدر ما أربى، وكذلك ما خان، إن لم يقدر على رد ذلك على من خان. وقوله في الخيانة حسن.

                                                                                                                                                                                        وأخذ أموالهم في أرض الحرب على ثلاثة أوجه: فيجوز أن تؤخذ على وجه السرقة والغصب والقهر، ولا يجوز أخذ ما ائتمنوه عليه ولا خيانتهم، ويختلف في أخذها بوجه البيع دينارا بدينارين نقدا أو إلى أجل، فمنعه في المدونة. وعلى قول عبد الملك يسوغ له إمساكها، قياسا على الزنا بنسائهم. وقال ابن القاسم: يحد. وقال ابن الماجشون: لا حد عليه. [ ص: 4308 ]

                                                                                                                                                                                        فعلى هذا لا يرد ما أربى عليه. وجعل ابن القاسم ملكه ملكا حقيقيا، ومراباته ربا، ووطأه زنا. وذهب عبد الملك إلى أنه لما جاز أن يأخذ تلك الرقبة ويملكها قهرا، فإن لم يقدر إلا على أخذ المنافع بالإكراه، أو الطوع للاستخدام أو بالوطء- لم يكن عليه شيء. وعلى قوله يجوز له أن يتمسك رباه عليه؛ لأنه كان له أن يأخذ منه بغير ربا، إن قدر على ذلك. وإن دخلوا إلينا بأمان لم يجز سرقة أموالهم، ولا الزنا بنسائهم.

                                                                                                                                                                                        واختلف في قطع من سرق منهم. فقال ابن القاسم: يقطع. وقال أشهب: لا يقطع.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية