الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في من ابتاع سلعة بدين أيجوز له أن يبيعها مرابحة بنقد؟]

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا أخذ عرضا عن دين: هل يبيع مرابحة ولا يبين قياسا إذا أخذ شقصا عن دين حال؟

                                                                                                                                                                                        فقيل: يستشفع بالدين، فعلى هذا ليس عليه أن يبين، وقيل: يستشفع بقيمة الدين، فعلى هذا يبين في المرابحة، وقد تقدم وجه ذلك، وأنه يراعى الغريم: هل هو موسر غير ملد أم لا؟

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا اشترى بعرض أو بطعام، فاشترى على مثله، وليس المثل في [ ص: 4597 ] ملك المشتري، فأجازه ابن القاسم، ومنعه أشهب ورآه من بيع ما ليس عنده. والأول أحسن، ومحمل الحديث على بيع معين في ملك غيره.

                                                                                                                                                                                        وإن اشترى بذهب فقال: اشتريت بعرض، وباع على قيمته، وكانت القيمة التي باع عليها مثل الثمن الذي اشترى به فأقل- لم يكن للمشتري مقال، وإن كانت أكثر كانت مسألة كذب.

                                                                                                                                                                                        وإن باع على أن يأخذ المثل كان للمشتري أن يرد، إلا أن يرضى البائع أن يكون الربح على ما اشترى به، فإن رضي نظر إلى قيمة العرض، فإن كانت مثل الثمن فأكثر لزم المشتري; لأنه رده إلى مثل ما اشترى به في القدر، وهو أخف فيما يتكلف شراؤه وإحضاره لينقد، وإن كانت قيمة العرض أقل لم يلزمه الرضا بالثمن وإن كان أخف; لأنه أكثر إلا أن يرضى أن يحط عنه الزائد.

                                                                                                                                                                                        وإن اشترى بعرض فقال: اشتريت بعين، فإن كان الذي باع عليه -وهو العين- مثل قيمة العرض فأقل- لزم المشتري، وإن كان العين أكثر من القيمة عاد الجواب إلى ما تقدم في مسألة الكذب، وإلى هذا يرجع الجواب في اللذين اشتريا عدلا فقسماه بالتراضي، ثم باع أحدهما نصيبه على ما اشترى به; لأن نصف ما صار إليه مشترى بالثمن الأول، ونصف ما صار إليه من النصف الذي سلمه لصاحبه، فإن باع ولم يبين كان للمشتري أن يرد الجميع، إلا أن تكون قيمة نصف ما اشترى مثل نصف قيمة العين الذي باع به، فلا يكون له أن يرد، وإن فات مضى نصفه بالثمن، وضرب له الربح في النصف الآخر على قيمة ما نقد، إلا أن يكون الذي باع به أقل. [ ص: 4598 ]

                                                                                                                                                                                        وقال ابن حبيب: إذا تقاوياه بينهما فصار لأحدهما فلا بأس أن يبيع على تلك المقاواة. يريد: النصف على الثمن الأول، والنصف على ما دفع فيه إلى شريكه، فإن كان ذلك أكثر مما كان اشتراه به رغبة في دفع الشركة لسوء عشرة صاحبه- لم يبع حتى يبين وإن كان لأنها كانت صالحة، أو لأن السوق حال بغلاء لم يكن له أن يبين.

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب في كتاب محمد في ثلاثة شركاء في سلعة تقاووها فوقعت على اثنين بهم وأخرجا الثالث، ثم ذهب الثالث فاستوضع البائع دينارا، فقام عليه صاحباه ليردا عليه السلعة; فذلك لهما إلا أن يخرج لهما من الدينار، فيقسموه أثلاثا. فأجرى الجواب على مسألة المرابحة لما كانا عالمين بالشراء، وعلى هذا يكون من اشترى سلعة مساومة، وقد كان حضر بيعها أولا، وكان عالما بالثمن، ثم استوضع المشتري الأول البائع الأول منه- يكون للمشتري الآخر في ذلك مقال كالمرابحة. [ ص: 4599 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية