الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        [ ص: 4660 ]

                                                                                                                                                                                        [ ص: 4661 ] كتاب الصلح

                                                                                                                                                                                        النسخ المقابل عليها

                                                                                                                                                                                        1 - (ف) نسخة فرنسا رقم (1071)

                                                                                                                                                                                        2 - (ت) نسخة تازة رقم (234 & 243)

                                                                                                                                                                                        3 - (ر) نسخة الحمزوية رقم (110) [ ص: 4662 ]

                                                                                                                                                                                        [ ص: 4663 ]

                                                                                                                                                                                        بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                        وصلى الله على سيدنا محمد

                                                                                                                                                                                        وآله وسلم تسليما

                                                                                                                                                                                        كتاب الصلح

                                                                                                                                                                                        باب في الصلح والإصلاح بين الناس ومن اشترى عبدا فوجد به عيبا فصالح عليه

                                                                                                                                                                                        الأصل في الصلح قول الله -عز وجل-: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس [النساء: 114] ، وقوله -عز وجل-: فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه [البقرة: 182]. وقوله تعالى: وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما [النساء: 35]. وقوله: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم [الحجرات: 9، 10].

                                                                                                                                                                                        وثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه خرج إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم. [ ص: 4664 ]

                                                                                                                                                                                        وكان لكعب بن مالك على عبد الله بن أبي حدرد دين فلزمه فيه حتى ارتفعت أصواتهما، فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يضع الشطر ففعل.

                                                                                                                                                                                        وأتت زوجة ثابت بن قيس بن شماس إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تسأله في فراق زوجها على أن ترد ما أخذت، فأصلح بينهما -صلى الله عليه وسلم- على ذلك، فأخذ الصداق وأوقع الطلاق عليها.

                                                                                                                                                                                        وهذه أحاديث صحاح أخرجها البخاري ومسلم، وقد تضمنت هذه الآيات والأحاديث الإصلاح بين الناس في الأموال والفروج والدماء، وتضمنت الآية الأولى وجهين، الأمر بالمعروف، والإصلاح.

                                                                                                                                                                                        فيبتدأ بين المتنازعين بالأمر بالمعروف، ثم الإصلاح عندما يشكل أمرهما، فإن تبين الحق في جنبة أحدهما كان معه على الآخر، فإن كان طالبا بلغه إلى حقه، وإن كان مطلوبا كف الآخر عن ظلمه، وإن تبين له أن كل واحد منهما ظالم لصاحبه كف كل واحد منهما ومنعهما، وإن أشكل أمرهما ولم يتبين الحق في جنبة من [ ص: 4665 ] هو منهما، حملهما على الصلح إن قدر على ذلك، وإلا وعظهما وخوفهما بالله عز وجل.

                                                                                                                                                                                        قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يقدر فبلسانه، فإن لم يقدر فبقلبه وذلك أضعف الإيمان".

                                                                                                                                                                                        وكذلك الحكمان في الزوجين هما على ثلاثة أوجه: إن تبين الحق في جنبة الزوج، ائتمناه عليها، وإن نشزت ولم تسكن تحته وأحب الفراق، فرق بينهما.

                                                                                                                                                                                        وإن كان الحق في جنبتها ورجي صلاحه ورجوعه عن إساءتها بوعظ فعلا، ولم يعجل بالطلاق، وإلا طلق عليه.

                                                                                                                                                                                        وإن أشكل أمرهما ولم يتبين الحق في جنبة أحدهما ولم يرج الرجوع منهما، طلق عليه.

                                                                                                                                                                                        وكذلك إذا كان كل واحد غير مؤد لحق الآخر، والكلام على الصداق في كتاب الخلع.

                                                                                                                                                                                        وإن كان التنازع في دماء عمل في ذلك على ما في سورة الحجرات، ثم لا يخلو من أن يكون الحق في جنبة إحدى الطائفتين، أو كل واحدة منهما ظالمة أو أشكل أمرهما، فإن كان الحق مع إحدى الطائفتين كان معها على [ ص: 4666 ] الأخرى.

                                                                                                                                                                                        وإن كان في جنبة الطالبين وامتنع الآخرون من الإنصاف، وعظهم وخوفهم أمر الله وأعلمهم أنه يكون مع الطالبين حتى يبلغوا حقهم، فإن لم يرجعوا وقدر على أن يأخذ الظالم بعينه أو من قبله ذلك الحق، فعل، وإن لم يقدر كانت يده مع الطالبة. وإن تبين أن لا حق للطالبين، منعهم من الطلب. وإن تبين أن كل واحدة منهما ظالمة، وعظ جميعهم ليرجعوا، فإن لم يفعلوا وكانت له قدرة على منع بعضهم من بعض، فعل وإلا اعتزل الفريقين، وإن أشكل أمرهما وأمكن الإصلاح فعل، وإلا اعتزلهما.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية