الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الصانع يدعي الرد، وكيف إن جعل له أن يسلم ذلك إلى غيره فقال: قد فعلت، وخالفه الآخر

                                                                                                                                                                                        واختلف في الصانع يدعي الرد وينكره الدافع، فقال مالك وابن القاسم: هو ضامن إلا أن يقيم البينة على الرد. وقال عبد الملك بن الماجشون في "كتاب ابن حبيب": إذا أخذ ذلك من غير بينة كان القول قوله في الرد مع يمينه، وإن أخذه ببينة لم يقبل قوله إلا ببينة. والأول أحسن.

                                                                                                                                                                                        وكل ما كان مضمونا كان حكمه في ذلك حكم الدين، من ذلك: الرهن، والعواري، وما بيع على خيار، وكل ذلك مضمون إن ادعى التلف، ولا يقبل قوله في الرد، وكذلك الصناع لا يقبل قولهم في الرد كما لا يقبل قولهم في التلف; لأنهم لم ينزلوا في ذلك منزلة الأمن، ولأن الوجه الذي يترقب من الصانع في دعوى التلف يتخوف مثله في دعوى الرد، إلا أن يكون الرهن والعارية والمبيع على خيار- حيوانا، فيكون القول قوله في التلف وفي الرد، ولو كان شيئا مما يغاب عليه في إجارة أو قراض أو وديعة - لكان القول قوله في الرد كما يقبل قوله في التلف.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا جعل له أن يسلمه بعد الفراغ لغسال أو طراز فقال: قد فعلت، وأنكره الآخر أو صدقه وقال: ضاع عندي، فقال ابن الماجشون في [ ص: 4885 ] "كتاب ابن حبيب": القول قول الصانع أنه دفعه، كما يقبل قوله في رده.

                                                                                                                                                                                        وقال أصبغ في "ثمانية أبي زيد": لا يقبل قوله. وهو أصل ابن القاسم إذا كذبه الغسال أو الطراز، لوجهين: أحدهما: أنه لا يقبل قوله في الرد فكيف لا يقبل قوله في تسليمه في آخر، والوجه الثاني: أنه يقول: لا يقبل قول المودع في تسليم الوديعة إلى يد آخر، وهو في هذا أبين ألا يقبل قوله.

                                                                                                                                                                                        وأرى أن لا يقبل قوله في التسليم، كما لا يقبل قوله في الرد، ويختلف إذا صدقه وقال: ضاع مني، وأن يقبل قوله أحسن فيحلفان جميعا: يحلف الصانع لقد سلمه إليه، ويحلف الآخر: لقد ضاع مني، وتكون مصيبته من صاحبه، إلا أن يكون الثاني منتصبا، فيضمن، إلا أن تقوم له بينة.

                                                                                                                                                                                        وعلى هذا يجري الجواب في حامل القمح والعجين، فإن قال: سلمت ذلك إلى الفران، وكذبه، حلف الفران وضمن الحامل.

                                                                                                                                                                                        واختلف بعد تسليمه في رده إلى الذي يحمله، فقال الفران: وديعة رددته إليه، وكذبه الحامل، حلف الحامل أنه لم يأخذ منه وغرم الفران، وإن قال أحدهما: صدق وصل إلي وضاع عندي، برئ من ادعى تسليمه; لأن الشأن تسليم ذلك بغير بينة، وضمن الآخر.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في "كتاب محمد" في الطحان يدعي تلف القمح: أنه يغرم مثله دقيقا على ما عرف الناس. قال محمد: بل يغرم مثله قمحا. فرأى ابن القاسم أن يغرمه دقيقا; لأن الشأن بمصر أن القمح يدفع إلى [ ص: 4886 ] الطحان بوزن ويسلمه الآخر دقيقا بوزن، فهو إن أخذه بالوزن قمحا كان عليه طحنه ويسلمه دقيقا بوزن، فلم يكن في إغرامه إياه قمحا فائدة لما كان عليه طحنه. [ ص: 4887 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية