الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في اختلاف الصانع ومن استأجره في الصفة التي استأجره عليها، وكيف إن قال: ليس هذا الثوب الذي كنت استأجرتك عليه

                                                                                                                                                                                        وإذا نسج الحائك الغزل سبعا في ست، وقال: بذلك أمرتني، وقال الآخر: بل بثمان في سبع، أو كان اختلافهما في خياطة، فقال أحدهما: عربية، وقال الآخر: رومية، وأتيا جميعا بما يشبه النسج والخياطة، أو اختلفا في صبغ فقال أحدهما: أحمر، وقال الآخر: أخضر، أو ما أشبه ذلك وأشبه ما قالا; لأن الصباغ يصبغ الصبغتين والثوب مما يحسن أن يصبغ بهما- كان في المسألة قولان: فأصل مالك وابن القاسم أن القول قول الصانع أنه لم يتعد، وأن الإجارة كانت على ما صنعه، ويسقط عنه حكم التعدي، ويستحق المسمى من الإجارة، وهو قول مالك في العتبية أن القول قول الحائك. وفي "المدونة": أن القول قول الصباغ.

                                                                                                                                                                                        وقال سحنون: القول قول الصانع في طرح التعدي، والقول قول صاحب الثوب في الأجرة، ويكون عليه الأقل من المسمى أو إجارة المثل. يريد: مع [ ص: 4896 ] يمينه، إلا أن يكون المسمى أقل فلا يمين عليه، وإن أحب أن يبقى الصانع معه شريكا بالصنعة كان ذلك له، ويجري فيها قول آخر: أن يكون القول قول صاحب الثوب مع يمينه: أنه لم يستأجره على ذلك، ويضمنه قيمة الثوب إن أحب قياسا على أحد القولين في الوكيل يشتري ثمرا، ويقول بذلك أمرتني، ويقول الآمر: أمرتك بقمح، فقال ابن القاسم مرة: إن القول قول الآمر ولا يلزمه الثمن لأنهما أمينان، فهذا أمين على ما يشتريه، وهذا أمين على ما يصنعه.

                                                                                                                                                                                        وهذا في الصانع أبين أن لا يقبل قوله لأنه بائع لسلعته أو منافعه فكان القول قول المشتري أنه لم يشتر منه هذا وإن أتى الصانع بما يشبه دون الآخر; لأن عادته أن يصنع جنسا واحدا وهو الذي صنع، أو كانت عادته الصنفين، ولا يصنع في مثل ذلك الثوب إلا الصنف الذي عمله الصانع - كان القول قوله مع يمينه: أنه لم يتعد، ويستحق المسمى قولا واحدا، فإن أتى صاحب الثوب بما يشبه دون الآخر حلف، وكان القول قوله لأنه الغارم، فيحلف أنه لم يشتر منه هذا الصبغ.

                                                                                                                                                                                        ومثله لو اختلفا في صنفين، فقال أحدهما: أزرق، وقال الآخر: أحمر، وقال صاحب الثوب: أنا أسقط مقالتي في التضمين، وأحلف أني لم أستأجره على هذا فأدفع عن نفسي غرم الإجارة في هذه الصنعة ويكونان شريكين- [ ص: 4897 ] كان ذلك له.

                                                                                                                                                                                        ولو صبغه أزرق فقال الآخر: كانت الإجارة على أكحل- لكان القول قول صاحب الثوب على القولين جميعا; لأن ذلك الصبغ ليس بفوت وهذا قادر على أن يعيده على صفة ما حلف عليه الآخر، فإن رضي بذلك الصانع أن يصبغه أكحل، وإلا حلف ولم يستحق من المسمى إلا بقدر ما حلف عليه صاحب الثوب; لأن القول قول الصانع: أنه لم يبع الزائد على الصفة التي صبغ.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في "المدونة" في الصواغ تدفع إليه فضة فيصوغها سوارين، فقال الآخر: استعملتك لتعملها خلخالين- فالقول قول الصواغ. يريد فيدفع عن نفسه العداء; لأنها لو كسرت وأعيدت نقصت، وعلى قول سحنون يكون القول قول صاحب الفضة أنه لم يستأجره ليعملها سوارين، والقول قول الصانع أنه لم يتعد ويكونان شريكين، هذا له قدر الفضة والآخر قدر الصنعة، إلا أن يحب صاحب الفضة أن يعطيه إجارة المثل إذا كانت أقل والله أعلم. [ ص: 4898 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية