الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في من أعطى دابته لمن يؤاجره أو يعمل عليه على نصف ما يؤاجره به أو ما يكسب عليه]

                                                                                                                                                                                        ومن أعطى دابة لرجل وقال: أكرها ولك نصف ما تكريها به، كان الكراء لصاحبها وللآخر إجارة المثل. ولو قال: اعمل عليها ولك نصف ما تكسب عليها كان كسبه له ولصاحبها إجارة المثل.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا قال: اعمل لي عليها، فقال ابن القاسم في "المدونة" في رواية الدباغ: ما كسب عليها للعامل وعليه إجارتها كالأول. وقال ابن الجلاب: ما كسب عليها لصاحبها لقوله: اعمل لي عليها، وللعامل إجارة المثل.

                                                                                                                                                                                        وإن قال: أكرها، فعمل عليها كان ما عمل عليها له ولصاحبها إجارة المثل.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا قال: اعمل عليها، فأكراها، فقال ابن القاسم: ما أكريت به للمستأجر ولصاحبها إجارة المثل. وقال في كتاب الشفعة: ما أكريت به لصاحبها; لأن ضمان المنافع من صاحبها بخلاف البيع الفاسد.

                                                                                                                                                                                        وإن قال: أكرها ولك نصف ما تكريها به، فأكراها ممن يسافر بها على أن يخرج معها ويسوق به ويقوم بها، نظر إلى كرائها على أن لا أحد معها: فإن كان دينارا وعلى أن معها سائقا دينار وربع، كان الكراء بينهما أخماسا، ثم ينظر إلى إجارة المثل في تولي العقد، فإن كان ثمن دينار رجع الأجير على صاحب الدابة [ ص: 4941 ] بأربعة أخماس ثمن دينار; لأنه إجارة لمبيع بعضه لصاحب الدابة وبعضه له وهو ما ينوب سوقه، فإن كان يتولى حفظها بعد انقضاء الكراء وردها كان له في ذلك إجارة أخرى.

                                                                                                                                                                                        وما تقدم ذكره في الكسب فهو في مثل الماء والكلأ والحطب، فإن قال: اعمل عليها ولي نصف ما تكسب عليها كان ثمنه للعامل وللآخر إجارة دابته; لأن تلك الأشياء ملك للعامل بنفس أخذه لها.

                                                                                                                                                                                        فإن قال: اعمل لي عليها ولك كل يوم درهم جاز. ويكون ثمن ما باع به مما عمل عليها لصاحب الدابة; لأن الملك يتعين في تلك الأشياء بالنية، فإن أخذه على ملكه كان له، وإن أخذه على أنه أجير فيه كان ملكا لمن استأجره.

                                                                                                                                                                                        وإن قال: اعمل لي، ولك نصف ثمنه كان فاسدا; لأن الثمن يختلف يقل ويكثر.

                                                                                                                                                                                        وإن قال: لك نصف كل نقلة جاز.

                                                                                                                                                                                        قال محمد: وكذلك إن قال: لك نقلة ولي نقلة; لأن النقلة معلومة بخلاف ثمنها.

                                                                                                                                                                                        وإن قال: ما تعمل عليها اليوم لي وغدا لك جاز. وإن قال: تعمل عليها [ ص: 4942 ] اليوم لي وتبيعه لي وتعمل عليها غدا لك فإن شئت بعته لنفسك جاز، وإنما يفسد إذا قال: تعمله على ملكك كذا والثمن لي; لأن الثمن مجهول، وإن أصيب قبل البيع كان من العامل، وإذا كان ذلك كان العمل للعامل وللآخر إجارة دابته.

                                                                                                                                                                                        وإن قال: تعمل على ملكي كانت الإجارة على غير ذلك فلا تبال بعد ذلك بيع أو ترك. وإن قال صاحب الدابة: اعمل عليها اليوم لي وغدا لك فعمل عليها اليوم ثم تلفت الدابة، كان للعامل على صاحب الدابة إجارة المثل وليس له أن يكلفه أن يأتي بدابة أخرى لأنه إنما باع غدا منافع دابة بعينها والمعين لا يخلف.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا قال: اعمل على أن اليوم لك وغدا لي، فعمل اليوم الأول ثم تلفت هل يكون لرب الدابة كراء دابته، أو يأتي بدابة أخرى فيعمل عليها لأن المعمول عليه لا يتعين؟ والأول أبين; لأن الخلف في ذلك يتعذر، مثل القول في ثوب اللابس يستأجر على خياطته فيضيع ببينة فليس عليه خلفه. [ ص: 4943 ]

                                                                                                                                                                                        وقوله في السفينة: أكرها أو اعمل عليها سواء إذا كان فيها قومة صاحبها; لأنه إنما يتولى العقد من الناس فما أكريت به لصاحبها وله إجارة المثل، وإن لم تكن فيها قومة صاحبها ولو كان يسافر فيها بمتاعه كان الربح له ولصاحب السفينة الإجارة.

                                                                                                                                                                                        وأما الحمام والفرن فإن لم يكن فيها دواب ولا آلات بما يطحن كان ما يؤاجران به للعامل وعليه لصاحبها إجارة المثل. وإن كان بدوابهما ويشتري الحطب من عند صاحبهما أو من غلتهما كان ما أصاب فيما لصاحبهما وللعامل إجارة المثل إنما هو قيم فيهما. وكذلك الفندق فما أكرى به مساكنه لصاحبه والآخر قيم وله إجارة مثله.

                                                                                                                                                                                        وقوله: أكره واعمل عليه سواء. وإن قال: أكر دابتي ولك نصف ما تكريها به فمضى بها ثم ردها لم يكرها وقد تيسر كراؤها لم يكن عليه شيء; لأن ذلك الرضى فاسد، والحكم: أن يردها ولا يتم ذلك الفاسد. [ ص: 4944 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية