الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الإجارة على الأذان والصلاة، وعلى كتابة المصحف والقراءة فيه وبيعه، وعلى كتابة العلم وتعليمه وبيع كتبه

                                                                                                                                                                                        واختلف في الإجارة على الأذان وصلاة النفل والفرض، فأجازها مالك على الأذان وكرهها على صلاة النفل والفرض. ومنعها ابن حبيب على الأذان وقال: إنما يجوز له ذلك من بيت المال، وقد كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يجري على القضاة أرزاقا من بيت المال، ولا يجوز أن يأخذ من المحكوم له شيئا.

                                                                                                                                                                                        وذكر ابن الماجشون عن مالك في "ثمانية أبي زيد" أنه أجاز أن يؤم في رمضان بإجارة. قال: وهو مثل المؤذن ومعلم الصبيان. وأجازه محمد بن عبد الحكم في الفرض.

                                                                                                                                                                                        وأجاز مالك في "المدونة" الإجارة على الأذان وصلاة الفرض إذا جمعهما في عقد واحد. قال ابن القاسم: وإنما جوز مالك هذه الإجارة لأنه إنما أوقع الإجارة [ ص: 4955 ] على الأذان والإقامة ولم يقع من الإجارة على الصلاة بهم قليل ولا كثير.

                                                                                                                                                                                        وقول مالك في الأذان أصوب وليس كالقضاء والفتيا; لأن الأذان دعاء إلى الصلاة بقوله: "حي على الصلاة حي على الفلاح " وذلك ما تجوز الأجرة عليه. والأجرة على القضاء والفتيا رشوة، وكذلك كل ما هو بين رجلين; لأنه إن أخذها من أحدهما اتهم بالميل إليه.

                                                                                                                                                                                        وإن اتفق الخصمان على أجرة لم يجز; لأنه باب فاسد، وذلك يؤدي إلى أن يعطي أحدهما أكثر من الآخر، وليس كذلك تعليم القرآن والعلم; لأنه لا مدخل له في شيء من هذا المعنى.

                                                                                                                                                                                        والقول إذا اجتمعت الإجارة على الأذان والصلاة ولم يقع من الإجارة للصلاة شيء فغير مسلم; لأن الذي يستأجر به للأذان بانفراده دون ما يستأجر به للجميع، فإن غلب على الأذان دون الصلاة لم يرد جميع الأجرة، وإن غلب على الصلاة لم يستوجب جميعها.

                                                                                                                                                                                        وقوله في منع الأجرة على الصلاة أحسن; لأنه قد أشرك في عمله إلا أن تكون الأجرة قدر ما يرى أنه لعنائه لبعد داره أو لما يعطل من [ ص: 4956 ] أشغاله فيستخف ذلك.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية