الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في كراء الدار مشاهرة أو مساناة

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رحمه الله-: يجوز العقد في الرباع على ثلاثة أوجه، مدة معينة، فيقول: أكريك هذا الشهر أو هذه السنة; فهذا عقد جائز لازم للفريقين وليس لواحد منهما رجوع عنه.

                                                                                                                                                                                        والثاني: أن يذكر المدة ولا يعينها، فيقول: أكريك شهرا أو سنة، فهو جائز أيضا لازم لهما ويحملان في الابتداء بالسكن على الفور، وهو قول مالك وابن القاسم; لأن هذا هو القصد بالابتداء، وإن لم يقع سكنى عقيب العقد وتراخيا عن ذلك المدة اليسيرة، كان له أن يسكن جملة المدة التي سميا، ولم يحط من تلك المدة بقدر ما مضى من بعد العقد إلى حين قيامه، وهو في هذا الوجه بخلاف من عين المدة.

                                                                                                                                                                                        والثالث: أن يعقدا عقدا لا يتضمن غاية ولا يفهم منتهاه، فيقول: أكريك كل شهر أو كل سنة بدينار، أو في كل شهر أو في كل سنة أو الشهر أو السنة بكذا وكذا، ويذكر الابتداء، ويقول: أبتدئ بالسكنى من هذا الشهر أو لا يذكره، فاختلف عن مالك في ذلك، فروى ابن القاسم عنه أن العقد غير لازم لما كان لا غاية له ويكون المكري بالخيار، فإن أحب منعه من السكنى جملة، وإن أمكنه من السكنى كان له أن يخرجه متى أحب وللمكتري أن يمتنع من [ ص: 5049 ] السكنى، وإن سكن كان له أن يخرج بقرب ذلك إن شاء.

                                                                                                                                                                                        وروى عنه مطرف وابن الماجشون في "كتاب ابن حبيب" أنه يلزمهما أقل ما تقتضيه تلك التسمية فإن قال: كل شهر لزمه شهر واحد، وإن قال: كل سنة لزمه سنة واحدة، وهو أحسن; لأنهما أوجبا بينهما عقدا ولم يجعلا فيه خيارا، فوجب أن يحملا على أقل ما تقتضيه تلك التسمية.

                                                                                                                                                                                        وإن عقدا على أن ينقده كذا وكذا، لزمهما من العقد بقدر ما نقد قولا واحدا. وإن قال: أكريك كل شهر بكذا ونقد كراء شهرين، لزمه شهران. وإن نقد كراء نصف شهر لم يلزمه على قول ابن القاسم سوى ما نقد، وعلى رواية مطرف وابن الماجشون يلزمه تمام الشهر.

                                                                                                                                                                                        وإن قال: أكريك كل سنة ونقد كراء سنتين لزمتا، وإن نقد كراء نصف سنة جرى على الخلاف المتقدم، ومثله إذا لم يشترطا نقدا ثم تطوع به بعد العقد، فإنه يلزمه قدر ما نقد ما لم يكن ذلك النقد دون ما يوجبه العقد على قول مطرف، وقد يلزم المكتري الصبر إلى مدة وإن لم يسمياها في العقد للعادة في ذلك، كالذي يكتري المطمر يمطمر فيه قمحا أو شعيرا أو ما أشبه ذلك [ ص: 5050 ] كل شهر أو كل سنة بكذا وكذا، فليس للمكري أن يخرجه، ولا يجبر الآخر على إخراج ذلك إلا أن تتغير الأسواق إلى ما العادة أن يباع في مثله، فإن لم يبع كان للآخر أن يخرجه، وهذه كانت العادة عندنا في كراء المطامر.

                                                                                                                                                                                        وإن أراد المكتري إخراج ذلك قبل غلائه، لم يكن للآخر منعه; لأن البقاء من حق المكتري، ويعفى عما يكون في ذلك من غرر في المدة; لأنه مما تدعو الضرورة إليه.

                                                                                                                                                                                        وينظر إلى العادة في خزن الزيت فيحملان عليها. وكذلك العادة اليوم فيمن يكري المخزن للطعام في الصيف فيعلم المكتري أن قصده أن يشتي عليه، فليس للآخر أن يخرجه قبل ذلك.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية