الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في قضاء الصلاة بعد خروج وقتها

                                                                                                                                                                                        قضاء الصلاة ساقط عن الحائض والنفساء والمجنون والمغمى عليه، وواجب على الناسي والمتعمد والنائم. واختلف فيمن يصح منه الأداء وغلب على الطهارة والتيمم، وقد تقدم ذلك، والقضاء على النائم والناسي على الفور، بخلاف قضاء الصوم; لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها، فإن الله -عز وجل- يقول: وأقم الصلاة لذكري [طه: 14] ".

                                                                                                                                                                                        فتضمن هذا الحديث وجوب القضاء على الناسي والنائم وأنه على الفور; لقوله: "...إذا ذكرها..." في أي وقت ذكر; من ليل أو نهار، وعند طلوع الشمس أو غروبها قضى فيه، وقياسا على الحائض تطهر حينئذ فإنها تصليها؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أدرك ركعة من الصبح..." الحديث، فكل واحد من هؤلاء له عذر في الصلاة حينئذ. ثم لا يخلو الناسي من أربعة أحوال:

                                                                                                                                                                                        إما أن يذكر وهو في الصلاة، أو بعد الفراغ منها وقبل خروج وقتها، أو بعد أن خرج الوقت، أو قبل أن يتلبس بها.

                                                                                                                                                                                        فإن كان في صلاة كان فيها قولان: هل تفسد، أو يستحب له القطع في بعض الحالات؟ فقال مالك: إن كان مأموما مضى على صلاته، ولم يستحب له [ ص: 492 ] القطع; لأنه في فضل الجماعة. وإن كان في المغرب سلم من ثلاث ولم يضف إليها رابعة; لأنها فرضه، والإعادة استحسان.

                                                                                                                                                                                        وفي رواية أخرى أنه يضيف إليها رابعة. وهذا مبني على القول إنها تفسد. واختلف إذا كان إماما، فقيل: يقطع ويقطعون ولا يستخلف; لأن القطع استحسان. ولو تمادى ولم يقطع لأجزأت، فكان في قطعه شبه من العمد، وفارق الحدث; لأن القطع هنالك مجمع عليه.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم عند محمد: يستخلف، كالحدث؛ لما لم يقطع عابثا. وإن كان في آخر ركعة جاز أن يتم بهم. وإن كان فذا وذكر بعد الإحرام وقبل الركوع قطع. ولمالك في العتبية: إنه يتم ركعتين ثم يسلم، وإن كان قد ركع أضاف ثانية وسلم، فإن كان صلى ركعتين سلم، ولو كان صلى ثلاثا أضاف رابعة وكانت هي فرضه، والإعادة استحسان. وقال: يقطع بعد ثلاث، والقطع في جميع ما تقدم استحسان.

                                                                                                                                                                                        ولو ذكر عندما أحرم ثم أتم أجزأته صلاته; لأنه قال فيمن صلى صلوات وهو ذاكر لصلاة نسيها: إنها تجزئه ويعيد الآخرة في الوقت. وقال ابن حبيب: تفسد عليه التي ذكر فيها، وتجب عليه الإعادة أبدا.

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب فيمن ذكر الصبح وهو في صلاة الجمعة وكان إن خرج أدرك الصبح وركعة من الجمعة قطع، وإن كان لا يدرك ركعة تمادى ثم يصلي الصبح ولا يعيد الجمعة، بمنزلة صلاة خرج وقتها.

                                                                                                                                                                                        وأرى فيمن ذكر صلاة وهو في صلاة أن يتمادى في صلاته فذا كان أو إماما أو مأموما، وهو بمنزلة من طرأ عليه الماء وهو في الصلاة بالتيمم، ولا يتوجه الخطاب بالمنسية وهو متلبس بأخرى. [ ص: 493 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية