الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        واختلف إذا أسر فيما يجهر فيه عمدا، فقال ابن القاسم في العتبية: يعيد ويعيدون.

                                                                                                                                                                                        وقال عيسى بن دينار: ويعيدون في الوقت.

                                                                                                                                                                                        وقال أصبغ: يستغفرون الله، ولا شيء عليهم. [ ص: 512 ]

                                                                                                                                                                                        وعلى هذا يجري الجواب إذا جهر فيما يسر فيه عمدا، وكذلك من تعمد ترك شيء من السنن، فقد اختلف فيه على أربعة أقوال: فقيل: لا شيء عليه. وقيل: يعيد ما دام في الوقت. وقيل: تبطل صلاته. وقيل: يسجد سجود السهو، وهو أبينها، ولا تبطل الصلاة; لأنه لم يترك واجبا، ويأتي بالسجود؛ تقربا إلى الله -عز وجل-.

                                                                                                                                                                                        ولا يكون في ترك السنة أدنى رتبة ممن سها عنها، وذكر ابن الجلاب هذه الأقوال، إلا الإعادة في الوقت.

                                                                                                                                                                                        واختلف في الإمام يسر فيما يجهر فيه فسبحوا به فلم يجهر، فلما فرغ قال: قرأت سرا. هل يصدق؟ قال مالك: ما أراه قرأ، وليعد من صلى خلفه.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في العتبية: إن قال: كنت ناسيا سجد وسجدوا، وإن قال: كنت عامدا أعاد وأعادوا. فصدقه إذا ادعى سهوا.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ أبو الحسن: وأرى أن يصدق إذا كان لا يتهم في دينه فإن كان على غير ذلك لم يصدق، إلا أن يكون نظروا إليه حين قيامه، فيعمل على ما يتبين لهم حينئذ. وفي الصحيحين: "قيل لخباب: بم كنتم تعرفون قراءة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: باضطراب لحيته". فإن رئي ذلك من هذا الإمام، وإلا لم [ ص: 513 ] يصدق; ولأن القراءة في النفس لا تجزئ إذا لم يحرك بها لسانه.

                                                                                                                                                                                        واختلف في السجود إذا سها عن تكبيرة أو تكبيرتين: فقال مالك: من نسي تكبيرة فليسجد. وقال أيضا: لا يسجد، وإن نسي تكبيرتين سجد. وفيمن نسي "سمع الله لمن حمده" مثل ذلك.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا جعل موضع "سمع الله لمن حمده" "الله أكبر"، وموضع "الله أكبر" "سمع الله لمن حمده": هل يسجد أم لا؟ فقال في الواضحة: يسجد; لأنه زاد ونقص.

                                                                                                                                                                                        فإن نسي ثلاث تكبيرات فأكثر، أو نسي التكبير كله سوى تكبيرة الإحرام - سجد قبل السلام، فإن لم يسجد قبل سجد بعد، فإن لم يسجد حتى طال الأمر أعاد الصلاة. وهو قول ابن القاسم في المدونة، وهذا يصح على القول أنه إذا تعمد ذلك يعيد.

                                                                                                                                                                                        وخالف أشهب في جميع ذلك فقال في مدونته فيمن نسي التكبير في الركوع والسجود: ما أرى عليه في ذلك سجودا واجبا، أرأيت لو سها عن التسبيح في الركوع والسجود، أكان عليه في ذلك سجدتا السهو؟! قال: وأحب إلي أن يسجد بعد السلام; لأني لا أراه لازما. [ ص: 514 ]

                                                                                                                                                                                        وأوجب السجود إذا نسي التكبير السبع أو الخمس في العيدين.

                                                                                                                                                                                        الخلاف فيمن ترك سنة عمدا

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا ترك التكبير كله سوى تكبيرة الإحرام عمدا: هل تبطل صلاته أم لا؟

                                                                                                                                                                                        وعلى قول أشهب -لا شيء عليه; وأنه عنده بمنزلة من ترك التسبيح. وعلى القول أنه سنة- يعيد الصلاة. وقيل: لا يعيد ويسجد.

                                                                                                                                                                                        وكل هذا في الإمام والفذ، وأما المأموم فلا سجود عليه إن سها في جميع التكبير، ولا إعادة إن تعمد ذلك.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية