الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن استأجر أرضا فزرعها أو غرس فيها أو بنى ثم استحقت

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم فيمن استأجر أرضا سنين على أن يسكن، أو يزرع، أو يغرس، أو يبني، ففعل، ثم استحقت الأرض قبل انقضاء أجل الإجارة والمكري مشتر: إن الكراء له بالضمان إلى يوم الاستحقاق إن كانت للسكنى، وإن كانت للزرع وفات الإبان، فالكراء للمكري، وإن لم يفت فهو للمستحق، وإن كانت تعمل السنة كلها فهي مثل السكنى، فالماضي للأول والمستحق بالخيار في الباقي بين أن يجيز الكراء إلى تلك المدة أو يفسخ، فإن بنى أو غرس كان بالخيار بين أن يجيز الكراء إلى تلك المدة ثم يأخذه بعد الأجل بقيمته مقلوعا أو يأمره بقلعه، وإن لم يجز كان بالخيار بين أن يعطيه قيمته قائما، فإن أبى أعطاه الباني والغارس قيمة الأرض، فإن أبيا كانا شريكين .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رحمه الله-: الماضي للمكري في جميع هذه الوجوه كما قال وإنما مقال المستحق في الباقي، فإن كان سكنى كان بالخيار بين الفسخ والإجارة بالمسمى، وإن كانت أرضا للزراعة فإنه لا يخلو أن يستحقها قبل أن يحرث أو بعد أن قلبت أو بعد أن زرعت قبل خروج الإبان أو بعده ، فإن لم تحرث كانت [ ص: 5835 ] كالسكنى يمضيه بالمسمى أو يخرجه، وإن قلبها أقره بالمسمى أو يخرجه.

                                                                                                                                                                                        واختلف في حكم الحرث، فقيل: لا شيء على المستحق فيه، وقال ابن القاسم في المستخرجة: المستحق بالخيار بين أن يعطيه قيمة حرثه فإن أبى أعطاه الآخر قيمة كرائها، وإن أبى أسلمها ولا شيء له . فهذا مثل قوله في تضمين الصناع إذا لم يدفع القاطع: قيمة الثوب أسلمه بخياطته .

                                                                                                                                                                                        وقال سحنون: يشارك بالخياطة ، فعلى قوله هذا يشارك هذا في كراء هذه السنة بقيمة الحرث إن اكتريت، فيكون له قيمة الأرض قبل أن تحرث، ولهذا قيمة الحرث مما اكتريت به اقتسماه على ذلك، وإن لم يجد من يكري منه واكتريت في العام الثاني، فعلى مثل ذلك إلا أن تذهب منفعة ذلك فلا يكون للأول شيء. فإن باعها المستحق لم يكن للأول شيء، إلا أن يزيد الحرث في الثمن فيكون له ذلك الزائد.

                                                                                                                                                                                        وإن زرعها ولم يخرج الإبان لم تنزع منه، وكان للمستحق الأكثر من المسمى أو كراء المثل، فإن كان المسمى أكثر قال: أنا أجيز العقد وأخذه، وإن كان كراء المثل أكثر أخذه؛ لأن له ألا يجيز ذلك العقد ولم يكن له أن يخرجه؛ لأنه زرع بوجه شبهة. [ ص: 5836 ]

                                                                                                                                                                                        وقال ابن الماجشون: إذا ذهب أول الإبان كان للمكري الأول بقدر فضل الكراء أول الإبان، وللمستحق بقدر ما ينوب الوقت الذي استحق فيه .

                                                                                                                                                                                        فعلى هذا إذا كان كراء المثل في أول الإبان دينارين، وفي آخره دينارا ونصفا كان للأول ربع المسمى، وللمستحق الأكثر من ثلاثة أرباع المسمى أو كراء المثل وقت المستحق .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا قدم المستحق في الإبان وخاصم فحكم له بعد ذهابه، هل يكون الكراء للأول أو للمستحق؟ فإن كانت تزرع بطونا فرفع بطنا واستحق في الثاني كان الأول للمشتري، ويجري الجواب في الثاني على ما تقدم إن كان زرع أو لم يزرع، إلا أنه ها هنا يفض ما ينوب البطن الثاني الذي هو (*) فيه إذا مضى بعضه؛ لأنها تعمل في كل وقت.

                                                                                                                                                                                        وصفة القيمة إذا بنى أو غرس واستحق قبل انقضاء أمد الكراء أن يقال: بكم يباع هذا البناء أو الغرس؟ ليضعه مشتريه في هذه الأرض لو كانت له، على أن لا يقلع بقية هذه المدة، فإذا ذهب هدم على مشتريه ولا يقوم على أنه قائم للأبد؛ لأن الباني والغارس لا يستحق بقاعه إلا بقيمة تلك المدة، وإذا قوم على هذه الصفة سقط الاعتراض بأن الباني أخذ جزءا من الأرض؛ لأنه لم يقوم على أن للباني حقا في تلك الأرض؛ وإنما قوم على أن مشتريه يضعه هناك، ولا [ ص: 5837 ] يقوم على أن مشتريه يضعه حيث أحب؛ لأنه إن كان الآن في طرف كانت قيمته أبخس، فلا يصح أن يقوم في غير ذلك مما هو أثمن ؛ لأن فيه ضررا على المستحق وكما يقوم الصبغ في الثوب المستحق، فإن كان في رديء لم يقوم كما لو كان في جيد، وإن كان في جيد لم يقوم على أنه كان في دونه، وقد قيل على المستحق، ما زاد البناء في الأرض فيقال: كم قيمة الأرض براحا وقيمتها مبنية على أن يهدم إذا انقضت مدة الكراء، ويبقى لمشتريه منقوضا وهو أحسن. وإذا أبى المستحق من دفع قيمة البناء وأبى الآخر من أن يعطي قيمة الأرض كانا شريكين للأبد، هذا بقيمة الأرض وهذا بقيمة البناء.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية