الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في البيع والشراء يوم الجمعة بعد النداء للجمعة ووجوب السعي إليها

                                                                                                                                                                                        النداء للجمعة يوجب السعي إليها ويمنع البيع والشراء؛ لقول الله -عز وجل-: يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع [الجمعة: 9].

                                                                                                                                                                                        وهذا فيمن كان قريب الدار إذا سعى بعد النداء أدرك الخطبة فما بعدها، وإن كان بعيد الدار وجب عليه أن يسعى قبل ذلك بما يعلم أنه إذا سعى أدرك، ويمنع البيع والشراء حينئذ، وليس من هو في طرف المدينة كمن هو في وسطها، ولا المدينة الكبيرة كالصغيرة.

                                                                                                                                                                                        واختلف فيمن باع أو اشترى بعد النداء، فقال مالك في المدونة: يفسخ البيع، وقال في المجموعة: البيع ماض وليستغفر الله، وقال المغيرة: يفسخ ما لم يفت، فإن فات بتغير الأسواق مضى بالثمن، وقال ابن القاسم وأشهب في الواضحة: يفسخ ما لم يفت، فإن فات مضى بالقيمة.

                                                                                                                                                                                        واختلف في القيمة متى تكون; فقال ابن القاسم: حين قبضها مشتريها، وقال أشهب: بعد صلاة الإمام وحين يحل البيع، وقال عبد الملك بن [ ص: 574 ] الماجشون في ثمانية أبي زيد: إذا كان قوم اعتادوا البيع ذلك الوقت، فسخت تلك البياعات كلها، وإن لم تكن عادة زجروا عن ذلك، ولم يفسخ البيع.

                                                                                                                                                                                        واختلف بعد القول أن البيع يمضي، في الربح، فقال مالك: الربح للمشتري، ولا أراه عليه حراما، وقال ابن القاسم في العتبية: لا يأكل الربح، وأحب إلي أن يتصدق به، وقال أصبغ: يكره أن ينتفع بذلك الربح؛ لما كان اشتغاله به عن العبادة، وقد فعل مثل ذلك سليمان - عليه السلام - لما اشتغل بالخيل فقتلها.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ: وقول المغيرة في ذلك حسن، أنه ينقض البيع مع القيام؛ عقوبة وحماية؛ لئلا يعودا إلى مثل ذلك، فإن فات مضى; لأن الثمن والمثمون صحيحان لا فساد فيهما. [ ص: 575 ]

                                                                                                                                                                                        واختلف بعد القول بفسخ البيع في فسخ ما لا يتكرر نزوله، فقال محمد بن عبد الحكم في الإقالة والشركة والتولية والأخذ بالشفعة: يفسخ; لأنه بيع.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في العتبية في النكاح: إنه يمضي بالعقد ولا يفسخ، قال: والهبة والصدقة نافذة، إلا في البيع، وقال أصبغ في النكاح: يفسخ; لأنه بيع.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ: قول ابن القاسم في هذا أحسن، فلا يفسخ النكاح ويحتاط للفروج، ولا تباح لأحد مع قوة الخلاف، وتمضي الهبة والصدقة بالعقد، بخلاف البيع; لأنه في البيع يرد إلى كل واحد ماله، فلا يلحقه كبير مضرة، وليس كذلك الهبة والصدقة; لأنه ملك شيئا بغير عوض، فيبطل عليه، إلا أن تكون الهبة للثواب; لأنها بيع. انتهى.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية