الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [واختلف في الكفارة على من أفطر مكرها]

                                                                                                                                                                                        واختلف في الكفارة على من أفطر مكرها، فقال مالك وابن القاسم وأشهب: إذا أكره زوجته عليه أن يكفر عنها، وقال سحنون: لا كفارة عليه عنها; لأنها لم تجب عليها، وليس كالحج; لأن الحج عمده وخطؤه وإكراهه سواء.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في كتاب ابن حبيب فيمن أكره رجلا على الشرب: عليه [ ص: 797 ] الكفارة، وقال فيمن جامع زوجته وهي نائمة: عليها القضاء، ولم يجعل في ذلك كفارة، خلاف الأولى; لأنها حينئذ غير مخاطبة، وقال الشافعي: لا قضاء عليها.

                                                                                                                                                                                        وقول سحنون: أن لا كفارة على المرأة إذا أكرهت بالوطء، ولا على من أكره بالشرب - أحسن; لأن المكره أعذر من الناسي، فإذا لم يكن على الناسي في ذلك كفارة كان المكره أبين ألا كفارة عليه.

                                                                                                                                                                                        ويكفر المكره عن نفسه وعن اجترائه على انتهاك صوم غيره; لأن الإطعام والعتق إنما هو كفارة عما أتى من الذنب في إفساد الصوم، ولا فرق بين أن يفسد صوم نفسه أو صوم غيره، فعليه أن يأتي بالكفارة ليسقط عن نفسه ما أتى من ذلك، فيصح أن يكفر بالصوم، وإن كفر بالعتق كان الولاء له، فإن أكره غيره على الشرب أتى بكفارة واحدة، وإن أكره زوجته على الوطء أتى بكفارتين; لأنه أفسد صومه وصومها.

                                                                                                                                                                                        وقد تأول بعض أهل العلم قول مالك في الكفارة في الإكراه على الوطء على قوله في كتاب ابن حبيب في لزوم الكفارة إذا وطئ ناسيا. ويقوي ذلك ما في الزاهي: إذا أكره العبد زوجته، أنها جناية في رقبته، فجعل الكفارة عليها، [ ص: 798 ] ولها أن ترجع على المكره بما لزمه، وهذا ينتقض بقوله في الكفارة: على من أكره غيره على الشرب; لأنه لا خلاف أن لا كفارة على من أكل أو شرب ناسيا، وإذا لم تكن على الناسي كفارة مع أن معه شبهة من التفريط لم يكن على المكره. وذهب ابن شعبان إلى أن الكفارة عليه عنها، فإن كان معسرا كفرت عن نفسها ورجعت عليه. [ ص: 799 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية