الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في من نذر الصيام، وما يلزم متابعته وما يلزم من نذر سنة بعينها أو بغير عينها، ومن نذر شهرا هل يجزئه تسعة وعشرون يوما، أو نصف شهر هل يجزئه أربعة عشر يوما

                                                                                                                                                                                        ومن نذر صوما معينا، أو مضمونا في الذمة، لزمه الوفاء به; لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من نذر أن يطيع الله فليطعه".

                                                                                                                                                                                        واختلف في المتابعة إذا نذر صياما مضمونا أياما أو شهرا أو سنة على ثلاثة أقوال:

                                                                                                                                                                                        فقال مالك في كل ذلك: هو بالخيار; إن شاء تابع، وإن شاء فرق.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن كنانة في كتاب ابن حبيب: عليه أن يأتي بذلك متتابعا.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن الماجشون: إن نذر أياما لم يكن عليه أن يتابعها، وإن نذر جزءا من شهر، أو شهرين أو سنة، كان عليه أن يتابع وهذا أحسن; لأن الذي [ ص: 804 ] عهده الناس أن الشهر عبارة عن جملة متتابعة من الهلال إلى الهلال، والسنة كذلك، وقول القائل في ثلاثين يوما "شهرا" - مجاز، أو إنما هو نسبة إلى ذلك الشهر الذي هو من الهلال إلى الهلال، وهو فيمن نذر سنة أبين.

                                                                                                                                                                                        واختلف في القدر الذي يصومه من نذر سنة مضمونة أو معينة، فقال مالك فيمن نذر سنة مضمونة بغير عينها: يصوم اثني عشر شهرا ليس فيها رمضان، ولا يوم الفطر، ولا أيام الأضحى، ويجعل الشهر بفطره منه ثلاثين يوما، فيقضي على قوله إذا كان شوال ناقصا يومين، وإذا كان ذو الحجة ناقصا أربعة أيام مكان الثلاثة التي أفطر، وقول محمد بن عبد الحكم في هذا: أنه يقضي عدد ما أفطر لا غير ذلك، ووافق أشهب ابن القاسم في هذه المسألة إذا كان نذر سنة غير معينة ولم ينو متابعتها، وخالفه إذا نوى متابعتها، فقال في مدونته: لا قضاء عليه عن رمضان، ولا عن يوم الفطر، ولا عن يوم النحر، ولا أيام التشريق واجبا، واستحب له قضاء ذلك، قال: لأنه إذا نوى المتابعة فلا بد أن يدخل في تلك السنة أبدا رمضان، والأيام المنهي عن صيامها، وساوى في ذلك بين المضمون والمعين. وأن يفطر في اليوم الرابع من أيام التشريق إذا عين أو نوى المتابعة، وكان عنده بمنزلة من قال: لله تعالى علي أن أصلي يوما بعينه، أو بغير عينه، فلا قضاء عليه في الأوقات التي تصلى فيها الصلوات الخمس، ولا الأوقات المنهي عن الصلاة فيها. [ ص: 805 ]

                                                                                                                                                                                        وعلى هذا ينبغي أن يكون الجواب على مذهب ابن كنانة وابن الماجشون; لأن الحكم عندهم المتابعة وإن لم ينوها.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية