الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في تعريف الغارم وشروط اعتباره]

                                                                                                                                                                                        والغارم : من عليه دين ، فيجوز له أن يأخذ من الزكاة ما يقضيه منه ، وذلك بأربعة شروط :

                                                                                                                                                                                        أن لا يكون عنده ما يقضي منه دينه ، والدين لآدمي ، ومما يحبس فيه ، ولا تكون تلك المداينة في فساد ، فإن كان الدين حقا لله سبحانه كفارة ظهار أو قتل - لم يعط ذلك .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا تداين في فساد ، فقيل لا يعطى منها ما يقضي ذلك الدين ، وقال محمد بن عبد الحكم : إذا حسنت حاله أعطي ؛ لأنه غارم ، وقد كان له أن يصرف ما تسلف فيما يجوز ، وهو دين يلزم ذمته ويحاص به الغرماء . قال : وإن كان الدين عن جناية خطأ وهي دون الثلث ؛ قضي عنه ، وإن كانت أكثر من الثلث ؛ لم يقض ؛ لأن العاقلة لا تحمل مع العسر ، ولا يحاص به الغرماء . وإن كانت الجناية عمدا ؛ جرت على القولين فيما إذا كانت المداينة عما [ ص: 979 ] لا يجوز ، فإن لم يتب لم يعط قولا واحدا .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه - : ولو أتلف غني ماله فيما لا يجوز ؛ لم يعط بالفقر ؛ لأنه يصرفه في مثل الأول إلا أن تعلم منه توبة أو يخاف عليه ، ولا يعطى منها ابن سبيل إن خرج في معصية ، وإن خشي عليه الموت ، نظر في تلك المعصية ، فإن كان يريد قتل إنسان ، أو هتك حرمة- لم يعط ، ولا يعطى منها ما يستعين به على الرجعة إلا أن يكون قد تاب ، أو يخاف عليه الموت في بقائه إن لم يعط .

                                                                                                                                                                                        وإن كان عليه رزق لزوجته عن مدة فرطت ، وكان موسرا في حين إنفاقها على نفسها ، كان من الغارمين ، وإن كان معسرا ، لم يكن من الغارمين ؛ لأن النفقة ساقطة عن الزوج في حال عسره ، وإن كانت النفقة لما يستقبل ، وكذلك نفقة الولد والوالدين- يعطى بالفقر .

                                                                                                                                                                                        ومن تحمل بمال ، والمتحمل به موسر- لم يعط ، وإن كان معسرا أعطي ما يقضي منه حمالته ، إلا أن تكون تلك المداينة في فساد .

                                                                                                                                                                                        وقال محمد بن عبد الحكم فيمن كانت عليه زكاة فرط فيها ، فلم يخرجها ناسيا أو عامدا حتى تلف ماله ، ثم أتى يطلب مع الغارمين ما يؤدي منه زكاته ، كان فيها قولان :

                                                                                                                                                                                        أحدهما : أن ذلك له ؛ لأنه مما يأخذه به السلطان ويحكم عليه به ، ثم ترد إلى مواضع الزكاة وقد قضيت ذمته . [ ص: 980 ]

                                                                                                                                                                                        والثاني : أنه لا يعطى ، ولا يقضى من الزكاة زكاة وهذا أحسن ؛ لأن هذه غصوب ، ولا تقضى الغصوب من الزكاة .

                                                                                                                                                                                        وقال محمد بن المواز في كتاب الوصايا : لا يقضى منها دين ميت .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن حبيب : يقضى منها وهو من الغارمين . قال : وكان امتناع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصلاة على من عليه دين قبل نزول الآية ، فلما نزلت الآية صار قضاء ذلك على السلطان .

                                                                                                                                                                                        ومن المدونة قال ابن القاسم فيمن له ألف درهم ، وعليه ألفان ، وله دار وخادم قيمتهما ألفان : فليس من الغارمين ، ويكون دينه في داره وخادمه ، ويزكى ما في يديه . وإن قضى الألف التي عنده ، وبقيت عليه ألف ؛ كان من الغارمين إذا لم يكن في الدار والخادم فضل عن دار وخادم تعينه .

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب : إذا لم يكن في الدار والخادم فضل بعد قضاء الألف التي بقيت عليه من الخادم والمسكن إلا قدر مسكنه وخادمه ، ولا فضل له فيما بقي- فأرى أن يعطى من الزكاة ، وأن يكون من الغارمين . يريد : أن الغريم يبيع من الدار بقدر الدين ، ويكون البعض الباقي لا فضل فيه . [ ص: 981 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية