الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيما يحرم على المحرم من الوطء والصيد واللباس]

                                                                                                                                                                                        ومن أصاب أهله مرارا فعليه هدي واحد ؛ لأن الهدي للفساد ، وهو بأول مرة قد أفسد ، كمن أصاب أهله في يوم رمضان مرارا فكفارة واحدة تجزئه . وإن أصاب صيدا بعد صيد كان عليه لكل صيد جزاء ؛ لأنه من باب غرم قيم المتلفات ، فكل نفس أتلفها غرم قيمتها .

                                                                                                                                                                                        وأما إماطة الأذى واللباس فعلى ثلاثة أوجه : فإن حلق وقلم أظفاره وتطيب ، فإن كانت نيته فعل جميعها فعليه فدية واحدة ، وإن بعد ما بين تلك الأفعال فذلك سواء . وإن كانت نيته أحدها ، ثم حدثت نية ففعل أيضا ، فإن بعد ما بين الفعلين ؛ فعليه لكل شيء من ذلك فدية . وإن كان ذلك في فور واحد ففدية واحدة . وهذا قوله في المدونة .

                                                                                                                                                                                        وقد اختلف في هذا الأصل فيمن قال لزوجته قبل الدخول : أنت طالق ، [ ص: 1292 ] أنت طالق ، أنت طالق . هل يلزمه الثلاث أو طلقة واحدة ، إذا كانت نيته من أول طلقة واحدة ، ثم كرر الطلاق بنية محدثة أو استثنى بنية محدثة ؟

                                                                                                                                                                                        والقياس : أن القرب والبعد ما بين اللباسين في ذلك سواء . وإن لبس قميصا بعد قميص لم تكن في الثانية فدية ، وإن كان ذلك بنية محدثة وبعد ما بين اللباسين . وإن لبس سراويل ثم قميصا ففديتان . وقال ابن الماجشون : إن لبس قميصا ثم سراويل ففدية واحدة . وكذلك إن احتاج بعد القميص إلى جبة فلا شيء عليه . والقياس أن يكون عليه في السراويل والجبة فدية ثانية ؛ لأن منفعة الثانية غير منفعة الأول .

                                                                                                                                                                                        وقال محمد فيمن ائتزر بمئزر فوق مئزر : افتدى إلا أن يبسطهما ، ثم يئتزر بهما . وذكر ابن عبدوس عن عبد الملك مثله ، قال : وأما رداء فوق رداء فلا بأس به . وإن لبس قلنسوة ثم عمامة ففدية ، إلا أن تزيد العمامة على القلنسوة بقدر ينتفع به في مثله فعليه فدية أخرى . وإن لبس قميصا ثم قلنسوة أو عمامة كان في الثاني فدية ، إلا أن يكون تلك بنية أو يكون بقرب الأول على ما تقدم . وإن حلق ثم لبس قلنسوة أو عمامة كان في الثاني فدية ، إلا أن تكون تلك نيته أو تلبس بقرب الحلاق .

                                                                                                                                                                                        وإن لبس قميصا وهو صحيح ، ثم مرض ثم صح وهو لابسه ؛ ففدية واحدة .

                                                                                                                                                                                        وقال محمد : إن لبسه لمرض ، ثم صح فتمادى على لباسه ؛ فعليه فديتان . [ ص: 1293 ]

                                                                                                                                                                                        يريد : لأن نيته كانت أن يلبسه للمرض خاصة ، وقد بعد ما بين النية الأولى والثانية . والقياس على أصله : ألا شيء عليه في التمادي ؛ لأنه بانقضاء المرض تمادى في اللباس ، فأشبه ما يقرب فعل بعضه من بعض .

                                                                                                                                                                                        وكذلك ، إن تطيب وهو صحيح ، ثم مرض ثم صح وهو عليه ؛ ففدية واحدة . وإن استعمل ذلك لمرض ، ثم صح وهو عليه فلم يغسله كان عليه على قول محمد فديتان . وإن وصف له الطيب فاستعمله ، ثم استعمل طيبا آخر بقرب الأول ؛ ففدية واحدة . وإن تباعد ما بينهما ، وذهبت رائحة الأول ففديتان . وكذلك إن لم يذهب الأول حتى استعمل الثاني ؛ لأنه لو لم يستعمل الثاني ذهبت رائحة الأول قبل ذلك .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية