الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في الحربي يسلم ويقدم أرض الإسلام]

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في الحربي يسلم ، ثم يخرج إلينا ، فغزا المسلمون بلاده ، فغنموا أهله وولده وماله : أنهم فيء للمسلمين ، قال : وسألت مالكا عن رجل من المشركين أسلم ، ثم غزا المسلمون تلك الدار ، فأصابوا أهله وولده ، فقال مالك : فهم فيء للمسلمين .

                                                                                                                                                                                        وظاهر قوله ها هنا : أنهم فيء ، وإن لم يكن خرج إلينا .

                                                                                                                                                                                        وقال في كتاب النكاح الثالث : إذا أتى الحربي مسلما ، أو بأمان فأسلم عندنا ، فغزا المسلمون تلك الدار ، فغنموا أهله وولده ، قال : هم فيء للإسلام ، وكذلك ماله . قال سحنون : وقال بعض الرواة : إن كان ولده صغارا ؛ كانوا تبعا لأبيهم ، وكذلك ماله هو له ، فإن أدركه قبل أن يقسم أخذه ، وإن قسم كان أحق به بالثمن . [ ص: 1393 ]

                                                                                                                                                                                        وقال أبو الفرج : ماله فيء ، والولد تبع للأب . قال : لأن المسلم حيث كان ولده الأصاغر مسلمون بإسلامه ؛ بدلالة أن مسلما لو نكح في دار الحرب- كان ولده مسلما .

                                                                                                                                                                                        وقال محمد بن الحارث في كتاب "الاتفاق والاختلاف" : إذا كانوا أحرزوا ماله ، وضموه إلى أملاكهم من أجل إسلامه ، وخروجه من عندهم ؛ كان فيئا . وإن تركوه ؛ كان له . وإن دخل في المقاسم ؛ أخذه بالثمن .

                                                                                                                                                                                        والقول : أن ماله وولده له . أحسن ؛ لأنه ملكه قبل أن يسلم وإن كان بدار الحرب ، وبمنزلة ما لو سكن عندهم وهو مسلم ، وإسلامه لا يسقط ملكه . وهو لو أسلم ولم يخرج إلينا حتى دخل عليه ؛ كان كل ذلك له .

                                                                                                                                                                                        فكذلك إذا خرج إلينا ؛ لأنهم إن لم يعرضوا لماله ، ولا لولده بعد خروجه فهو له على حاله الأول . وإن أخذوه ؛ فإنما أخذوا مال مسلم ، ولا فرق بين أن يأخذوا ذلك من عندنا ، أو من عندهم ؛ فهو في جميع ذلك مال مسلم . ولا حكم للدار في ذلك ، وإن كان ذلك الولد من وطء كان بعد إسلامه لم يسترق قولا واحدا .

                                                                                                                                                                                        وكذلك لو سبيت زوجته بحمل حملت به بعد إسلامه ؛ فهو إذا ولدته على حكم الإسلام ، وأما زوجته ؛ فهي فيء قولا واحدا ، وسواء أسلم ثم خرج إلينا ، أو أقام حتى دخلوا عليه ، وصداقها لذلك الجيش ، وإن كان الزوج في أرض الإسلام بمنزلة من أسر بأرض الحرب ، وله دين بأرض الإسلام ؛ فدينه للجيش ، وتقع الفرقة بينها وبين زوجها ؛ لأنه لا يجتمع الكفر والرق والزوجية . [ ص: 1394 ]

                                                                                                                                                                                        فإن أسلمت في العدة ، أو أعتقت بقيت زوجة . وأجاز أشهب أن تبقى زوجة ، وإن لم تسلم ولم تعتق .

                                                                                                                                                                                        وإن اشترى رجل عبدا من المغنم ؛ فدل سيده على مال ، فإن دله قبل أن يقفلوا ؛ كان المال لذلك الجيش . وإن قفلوا ثم عاد في جيش آخر ، وقد عادت يد العدو على بلادهم ؛ كان للجيش الآخر .

                                                                                                                                                                                        وإن عاد مع سيده في غير جيش ، ولم تعد أيدي العدو على بلادهم ؛ كان للجيش الأول ، وإن عادت كان لسيده . [ ص: 1395 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية