الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأن يستبرئ من البول بالتنحنح والنثر ثلاثا وإمرار اليد على أسفل القضيب ولا يكثر التفكر في الاستبراء فيتوسوس ويشق عليه الأمر وما يحس به من بلل فليقدر أنه بقية الماء .

فإن كان يؤذيه ذلك فليرش عليه الماء حتى يقوى في نفسه ذلك ولا يتسلط عليه الشيطان بالوسواس .

وفي الخبر أنه صلى الله عليه وسلم فعله أعني رش الماء وقد كان أخفهم استبراء أفقههم فتدل الوسوسة فيه على قلة الفقه .

وفي حديث سلمان رضي الله عنه : علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة فأمرنا أن لا نستنجي بعظم وروث ونهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول وقال رجل لبعض الصحابة من الأعراب وقد خاصمه لا أحسبك تحسن الخراء قال : بلى وأبيك إني لأحسنها وإني بها لحاذق أبعد الأثر وأعد المدر وأستقبل الشيح وأستدبر الريح وأقعي إقعاء الظبي وأجفل إجفال النعام الشيح نبت طيب الرائحة بالبادية والإقعاء ههنا أن يستوفز على صدور قدميه والإجفال أن يرفع عجزه .

ومن الرخصة أن يبول الإنسان قريبا من صاحبه مستترا عنه فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم مع شدة حيائه ليبين للناس ذلك .

.

التالي السابق


(و) الثاني والعشرون (أن يستبرئ من البول) خاصة ويتفقد نفسه فيه فيعمل على عادته (بالتنحنح) والذهاب والمجيء والقعود والقيام ولي الفخذ اليمنى على اليسرى والنط إلى وراء (والنتر) أي نتر الذكر (ثلاثا) وذلك برفق (وإمرار اليد) أي بعض أصابعه، كما عند الرافعي (على أسفل القضيب) ويدلكه لإخراج ما هنالك من البقايا، قال ابن الحاج في المدخل: رب شخص يحصل له التنظيف عند انقطاع البول عنه وآخر لا يحصل له ذلك إلا بعد أن يقوم ويقعد وذلك راجع إلى اختلاف أحوال الناس في أمزجتهم، وفي مآكلهم، وفي اختلاف الأزمنة عليهم فقد يتغير حاله بحسب اختلاف الأمر عليه، وهو يعهد من نفسه عادة فيعمل عليها فيخاف عليه أن يصلي بالنجاسة أو يتوسوس في طهارته فيكون يعمل على ما يظهر له في كل وقت من حال مزاجه وغذائه وزمانه، فليس الشيخ كالشاب وليس من أكل البطيخ كمن أكل الجبن وليس الحر كالبرد .

(ولا يكثر التفكر في الاستبراء فيوسوس) أي يوقع نفسه في الوسوسة هل طهر المحل أم لا (ويشق عليه الأمر) خصوصا في المواضع الباردة (و) إذا بلي أحد بذلك فعلاجه أن (ما يحس به من بلل) ونداوة في المحل (فليقدر) في نفسه (أنه بقية الماء) أي على الفرج وينضحه (حتى يقوى في نفسه ذلك ولا يتسلط عليه الشيطان بالوسواس، وفي الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله أعني رش الماء) قال العراقي: رش الماء بعد الوضوء، وهو الانتضاح أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث سفيان بن الحكم الثقفي أو الحكم بن سفيان وهو مضطرب، كما قال الترمذي وابن عبد البر .

وفي القوت: وقد يكون ما يظهر من البذاذة بعد غسل الذكر بالماء أن ذلك من مرجع الماء يتردد في الإحليل لضيق المسلك وتلاحم انضمامه عليه، فإن خشي الوسواس فلينضح على فرجه بالماء بعد وضوئه، وهو أن يأخذ كفا من ماء فيرشه عليه فقد فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد شبه فقهاء المدينة الذكر بالضرع، وقال بعضهم: إنه لا يزال يخرج منه الشيء بعد الشيء ما دمت تمده وقيل: إذا وقع الماء على الذكر انقطع البول (وقد كان أخفهم استبراء) وأقلهم استعمالا للماء (أفقههم) عندهم هكذا في القوت، زاد المصنف (فتدل الوسوسة فيه على قلة الفقه) في الدين (وفي حديث سلمان رضي الله عنه: علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة أمرنا أن لا نستنجي بعظم ولا روث ونهانا أن نستقبل القبلة ببول ولا غائط) قال العراقي: أخرجه مسلم، وقد تقدم في قواعد العقائد .

قلت: وأخرجه الأربعة في السنن بلفظ: قيل له: قد علمكم نبيكم حتى الخراءة، قال: أجل نهانا، فساقوه، وفي سياقهم زيادة على ما أورده المصنف هنا .

(وقال رجل لبعض [ ص: 341 ] الصحابة) هكذا في سائر نسخ الكتاب، ونص القوت: لبعض أصحابه (من الأعراب) ، وهو الصحيح وما في نسخ الإحياء تحريف (وقد خاصمه) فقال (لا أحسبك تحسن الخراءة، فقال: بلى وأبيك إني) بها (لحاذق) أي عارف فطن، قال: فصفها لي، قال: (أبعد الأثر) أي أبعد عن الناس حتى يخفى أثري (وأعد المدر) أي أهيئه للاستنجاء قبل الجلوس لقضاء الحاجة (وأستقبل الشيح وأستدبر الريح) أي أجعل الشيح ساترا من قدامي وأجعل الريح من ورائي لئلا يطير الرشاش (وأقعي إقعاء الظبي وأجفل إجفال النعام) ونص عوارف المعارف: قال رجل من بعض الصحابة لرجل من الأعراب وفيه قال: أبعد عن البشر وأعد المدر والباقي سواء. قال صاحب القوت (الشيح) بالكسر (نبت طيب الرائحة) وليس في القوت الرائحة، وإنما فيه نبت طيب يكون (بالبادية) أي غير مستزرع (والإقعاء ههنا) ونص القوت في هذا الموضع (أن يستوفر على صدور قدميه) أي يقعد منتصبا غير مطمئن، وفي قوله ههنا إشارة إلى أن الإقعاء له معان، لكنها لا تناسب في الاستنجاء يقال: أقعى إذا ألصق أليتيه بالأرض ونصب ساقيه ووضع يديه على الأرض، كما يقعي الكلب، وفي الصحاح للجوهري بعد قوله: ونصب ساقيه ويتساند إلى ظهره، وقال ابن القطاع: أقعى الكلب جلس على أليتيه ونصب فخذيه وأقعى الرجل جلس تلك الجلسة (والإجفال أن يرفع عجزه) ، وفي القوت: عجيزته، وفي بعض نسخ الكتاب: وأجفل جفل النعام، وهو صحيح أيضا يقال: جفلت النعامة إذا ندت وشردت وأجفل القوم أسرعوا في الهرب (ومن الرخصة أن يبول الإنسان قريبا من صاحبه مستترا عنه فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم مع شدة حيائه ليستن الناس به) ، وفي نسخة ليسن للناس، وعبارة القوت: وإنما من أراد أن يبول قريبا من صاحبه بحيث يراه أو يحسه فلا بأس بذلك، فإنها رخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع الحياء منها بفعله; لأنه عليه السلام كان أشد الناس حياء، وقد كان مع ذلك يبول وإلى جنبه صاحبه ليستن التوسعة في ذلك. قلت: وتقدم قريبا في حديث حذيفة عن أبي داود: فذهبت أتباعد فدعاني حتى كنت عند عقبه، وقال العراقي: هو متفق عليه من حديث حذيفة .

قلت: بل هو عند الستة، كما تقدمت الإشارة إليه .



(تنبيه)

قد ذكر النووي في تحقيق المنهاج آدابا أخرى لم يشر لها المصنف، وكذلك ابن الحاج في المدخل، وقد أكثر منها حتى أوصلها إلى ستين، وقد أشير إلى بعضها; لأن بعضا منها قد ذكره المصنف في الذي يليه فأغنانا عن ذكره، قال النووي: يكره استقبال بيت المقدس واستدباره ببول أو غائط ولا يحرم، ويكره أن يذكر الله تعالى أو يتكلم بشيء قبل خروجه إلا لضرورة، فإن عطس حمد الله تعالى بقلبه ولا يحرك لسانه، وكذا في حال الجماع، ويكره البول في قارعة الطريق، وعند القبور، ويحرم البول على القبر، وفي المسجد، ولو بال في إناء في المسجد فهو حرام على الأصح، ويستحب أن لا يرى إلى ما يخرج منه ولا إلى فرجه ولا إلى السماء، ولا يعبث بيده، ويكره إطالة القعود على الخلاء، ويستحب أن يبول في مكان لين لا يرتد عليه بوله فيه .

وقال ابن الحاج في المدخل: وأن لا يقعد حتى يلتفت يمينا وشمالا، وإذا قعد لا يلتفت يمينا ولا شمالا ولا بأس أن يستعيذ عند الارتياع، ويجب أن يتكلم إذا اضطر إلى ذلك من أمر يقع مثل حريق أو أعمى يقع أو دابة أو ما أشبه ذلك، وأن لا يسلم على أحد ولا يسلم عليه أحد، فإن سلم عليه أحد فلا يرد عليه، ويكره أن يبول في المنحدر إذا كان هو من أسفل; لأن بوله يرجع إليه، وأن يفرج فخذيه في القعود لئلا يتطاير عليه شيء من النجاسة لا يشعر بها، وأن لا يتغوط تحت ظل حائط ولا على شاطئ نهر; لأن هذه المواضع لراحة الناس في الغالب إذا أراد أحد أن يستريح يطلب ظلا أو يرد النهر للماء فيجد ما يجعل هنالك فيقول: اللهم العن من فعل هذا، وأن يتجنب البيع والكنائس لا لاحترامها، وإنما هو لئلا يفعلوا ذلك في مساجدنا كالنهي عن سب الآلهة المدعوة من دون الله عز وجل لئلا يسبوا الله تعالى، ويكره البول في الأواني النفيسة للسرف، وكذا يمنع في أواني الذهب والفضة لتحريم اتخاذها واستعمالها، ويكره في مخازن الغلة والدور المسلوكة التي خربت، وليحذر أن يدخل إصبعه عند الاستنجاء في الثقب، فإنه من فعل [ ص: 342 ] شرار الناس، وهو منهي عنه، وإذا قام ليستبرئ فلا يخرج بين الناس وذكره في يده، وإن كان تحت ثوبه، فإن ذلك مثلة وشوه، فكثيرا ما يفعل بعض الناس هذا، وقد نهي عنه، فإن كانت له ضرورة في الاجتماع بالناس; إذ ذاك فليجعل على فرجه خرقة يشدها عليه، ثم يخرج للناس، فإذا فرغ من ضرورته تنظف إذ ذاك، ويكره الاشتغال فيما هو فيه من نتف إبط أو غيره لئلا يبطئ في خروج الحدث، والمقصود الإسراع في الخروج من ذلك المحل، بذلك وردت السنة، قال الإمام أبو عبد الله القرشي: إذا أراد الله بعبد خيرا يسر عليه الطهارة، وأن لا يستجمر بحائط مسجد لحرمته ولا في حائط مملوك لغيره; لأنه تصرف في ملك الغير، ولا في حائط وقف; لأنه تصرف فيه، وهو في حوز من وقف عليه وذلك لا يجوز هذا كله حرام باتفاق، وكثيرا ما يتساهل اليوم في هذه الأشياء سيما فيما سبل للوضوء فتجد الحيطان في غاية ما يمكن أن يكون من القذر لأجل استجمارهم فيها وذلك لا يجوز وأيضا في حائط ملكه; لأنه قد ينزل عليه المطر أو يصيبه بلل من الماء أو يلتصق هو أو غيره إليه فتصيبه النجاسة فيصلي بها، ووجه آخر هو أن يكون في الحائط حيوان فيتأذى، وقد رأيت ذلك عيانا، بعض الناس استجمر في حائط فلسعته عقرب كانت هناك على رأس ذكره ورأى من ذلك شدة عظيمة، والله أعلم .




الخدمات العلمية