الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
يفعل ذلك ثلاثا ويقول اللهم اغشني برحمتك وأنزل علي من بركاتك وأظلني تحت ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك ثم يمسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما بماء جديد بأن يدخل مسبحتيه في صماخي أذنيه ويدير إبهاميه على ظاهر أذنيه ، ثم يضع الكف على الأذنين استظهارا ويكرره ثلاثا .

التالي السابق


وقال المصنف : (يفعل ذلك ثلاثا) ، أي : ثلاث مرات ، وهو مذهب الشافعي في كل مغسول أو ممسوح سوى مسح الخف وتكرار المسح بالمياه المختلفة مروي عن أبي حنيفة في رواية غريبة نقلها المرغيناني والمشهور من مذهبه الكراهة على ما في المحيط والبدائع (ويقول) عند مسح الرأس : (اللهم غشني برحمتك وأنزل علي من بركاتك وأظلني تحت ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك) ومثله في القوت ، وفي العوارف إلا أنه بزيادة التصلية ، وفي حديث علي من رواية الحسن البصري المتقدم بذكره ، فإذا مسحت برأسك فقل : اللهم تغشني برحمتك ومن رواية محمد بن الحنفية عن علي : اللهم لا تجمع بين ناصيتي وقدمي ، وفي حديث أنس المتقدم بذكره فلما أن مسح يده على رأسه قال : اللهم تغشنا برحمتك وجنبنا عذابك (ثم يمسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما ) أجمعوا على أن ذلك سنة من سنن الوضوء إلا أحمد ، فإنه رأى مسحهما واجبا فيما نقل حرب عنه ، وقد سئل عن ذلك فقال : يعيد الوضوء إذا تركه وعنه رواية أخرى نقلها صالح أنه سنة ؛ لأنه قال : لا يعيد إذا تركه ، واختلفوا هل يمسحان بمائه فقال الميموني من أصحاب أحمد : رأيت أحمد مسحهما مع الرأس ، وعن أحمد رواية أخرى أنه يستحب له أخذ ماء جديد لهما ، وهو اختيار الخرقي ، وقال مالك : هما من الرأس ويستحب أن يأخذ لهما ماء جديدا ، وقال الشافعي : ليسا من الرأس [ ص: 364 ] ولا من الوجه وسن مسحهما (بماء جديد) ، وفي رواية عن مالك هما من الوجه يغسلان معه ولا يمسحان ، وعنه روايتان أخريان إحداهما مثل مذهب الشافعي والأخرى مثل مذهب أبي حنيفة قال الرافعي والأحب في إقامة هذه السنة (بأن يدخل مسبحتيه) ، أي : سبابتيه (في صماخي أذنيه ويدير) هما على المعاطف ويمر (إبهاميه على ظاهر أذنيه ، ثم يضع الكف) ، أي : يلصق كفيه وهما مبلولتان (على الأذنين) ، أي : بهما (استظهارا) ، أي : احتياطا ، واختلفوا في تكرر مسحهما فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد في إحدى روايتيه : السنة فيهما مرة واحدة وحكاه الترمذي في جامعه عن الشافعي ونقله الحناطي وجها للأصحاب فيه ، وفي مسح الأذنين والمشهور من مذهب الشافعي أنه (يكرره ثلاثا) ، وعن أحمد مثله في الرواية التي حسن فيها تكرار مسح الرأس ، وقال النووي في الروضة : ونقلوا أن ابن سريج كان يغسل أذنيه مع وجهه ويمسحهما مع رأسه ومنفردتين احتياطا في العمل بمذاهب العلماء فيهما وفعله هذا حسن ، وقد غلط من غلطه فيه زاعما أن الجمع بينهما لم يقل به أحد ودليل ابن سريج نص الشافعي والأصحاب على استحباب غسل النزعتين مع الوجه مع أنهما يمسحان مع الرأس والله أعلم .



(تنبيه)

قال الرافعي : ولو شك في أنه غسل أو مسح مرة أو مرتين أو شك في أنه غسل ذلك مرتين أو ثلاثا فوجهان أصحهما أنه يأخذ بالأقل ، والثاني ذكره الشيخ أبو محمد أنه يأخذ بالأكثر حذرا من أن يزيد غسلة رابعة ، فإنها بدعة وترك السنة أهون من اقتحام البدعة ، لكن من قال بالأول لا يسلم أن الرابعة بدعة على الإطلاق ، بل البدعة إتيانه بالرابعة على علم منه بحقيقة الحال .



(فصل)

وفي عبارات أصحابنا ويسن مسح الأذنين ولو بماء الرأس إشارة إلى أنه لو أخذ لهما ماء جديدا مع بقاء البلة كان حسنا فلا يشترط أن يكون بماء الرأس ولا أخذ ماء جديد وما ورد من أخذ الماء الجديد لهما في بعض الأخبار محمول على نفاد البلة والأظهر في كيفية مسح الأذنين إذا أراده بماء الرأس أن يضع كفيه وأصابعه على مقدم رأسه ويمدهما إلى قفاه على وجه يستوعب جميع الرأس ، ثم يمسح أذنيه بأصبعيه ولا يكون الماء مستعملا بهذا ؛ لأن الاستيعاب بماء واحد لا يكون إلا بهذا الطريق ولأن مسح الأذنين بماء الرأس ولا يكون ذلك إلا بما مسح به الرأس ولأنه لا يحتاج إلى تجديد الماء لكل جزء من أجزاء الرأس فالأذن أولى لكونه تبعا له ، وقد روى ابن ماجه بإسناد صحيح عن عبد الله بن زيد والدارقطني بإسناد صحيح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الأذنان من الرأس ، وروى مالك في الموطأ عن عبد الله الصنابحي أو أبو عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا توضأ العبد المؤمن فتمضمض خرجت الخطايا من فيه وإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه ، وإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى يخرج من تحت أشفار عينيه ، فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أظفار يديه ، فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه ، فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من تحت أظفار رجليه . قال ابن عبد البر في التمهيد : فيه دلالة على أن الأذنين يمسحان بماء الرأس .




الخدمات العلمية