الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ويكره أن يتوضأ من إناء صفر وأن يتوضأ بالماء المشمس وذلك من جهة الطب .

وقد روي عن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما كراهية إناء الصفر . وقال بعضهم : أخرجت لشعبة ماء في إناء صفر فأبى أن يتوضأ منه .

ونقل كراهية ذلك عن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما .

.

التالي السابق


(ويكره أن يتوضأ بالماء المشمس ) ، وفي القوت قيل : إن كراهته بأرض الحجاز خاصة ويورث البرص وإليه أشار المصنف بقوله : (وذلك من جهة الطب) ، أي : فهي كراهة طبية لا شرعية ، وقال الرافعي : في أقسام المياه التي يتطهر بها ومنها المشمس ، وهو على طهوريته كالمسخن وهل في استعماله كراهة أم لا ؟ فيه وجهان [ ص: 372 ] أحدهما لا ، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد والثاني ، وهو الأصح نعم لما روي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاها عن المشمس ، وقال : إنه يورث البرص ، وعن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال : من اغتسل بماء مشمس فأصابه وضح فلا يلومن إلا نفسه ، وكره عمر رضي الله عنه المشمس ، وقال : إنه يورث البرص ، فإن قلنا بالكراهة ففي محلها اختلاف منشؤه إشارة النقل بعد النهي إلى سببه ، وهو خوف الوضح ، وقال قائلان من أصحابنا : إنما يكره إذا خيف منه هذا المحذور ، وإنما يخاف عند اجتماع شرطين أحدهما أن يجري التشميس في الأواني المنطبعة كالحديد والرصاص والنحاس ؛ لأن الشمس إذا أثرت فيها استخرجت منها أجزاء زهومة تعلو وجه الماء ومنها يتولد المحذور ، والثاني أن يتفق في البلاد المفرطة الحرارة دون البلاد الباردة والمعتدلة ، فإن تأثير الشمس فيها ضعيف ولا فرق عند القائلين بهذه الطريقة بين أن يقع ذلك قصدا أو اتفاقا ، فإن المحذور لا يختلف وأيدوا طريقتهم بالمشمس بالحياض والبرك ، فإنه غير مكروه ، وقال آخرون : لا يتوقف الكراهية على خوف المحذور لإطلاق النهي وهؤلاء طردوا الكراهة في الأواني المنطبعة وغيرها كالخزف ، وفي البلاد الحارة والباردة واعتذروا عن ماء الحياض والبرك بتعذر الاحتراز اهـ ، وقال النووي في الروضة : قلت : الراجح من حيث الدليل أنه لا يكره مطلقا وهو مذهب أكثر العلماء وليس للكراهة دليل يعتمد ، وإذا قلنا بالكراهة فهي كراهة تنزيه لا يمنع صحة الطهارة ويختص باستعماله في البدن ويزول بالتبريد على أصح الأوجه ، والله أعلم .

ثم قال الرافعي : والطريقة الأولى أقرب إلى كلام الشافعي رضي الله عنه ، فإنه قال : ولا أكره المشمس إلا من جهة الطب ، أي : إنما أكرهه شرعا حيث يقتضي الطب محذورا فيه ، واستثنى بعضهم من المنطبعة الذهب والفضة لصفاء جوهرهما وبعد انفصال محذور عنهما (وقد روي عن أبي عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم كراهية الوضوء من إناء الصفر ) هكذا في القوت (قال بعضهم : أخرجت لشعبة) هو أبو بسطام شعبة بن الحجاج العتكي أمير المؤمنين في الحديث تقدمت ترجمته (ماء في إناء صفر) وعبارة القوت ، وقال بعض المحدثين : سألني شعبة أن أخرج له وضوءا فأخرجته في إناء صفر (فأبى أن يتوضأ) ونص القوت فلم يتوضأ به (ونقل كراهية ذلك عن ابن عمر ) ونص القوت بعد قوله : فلم يتوضأ به ، ثم قال : حدثني عبد الله بن دينار عن ابن عمر أنه كره الوضوء في إناء صفر ، ثم قال صاحب القوت : وتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركوة ومن صحفة فيها أثر العجين ومن كوز ومن إداوة ومن مهراس حجر ومن مخضب لزينب بنت جحش ، وهو من نحاس وفيه رخصة اهـ .

قلت : وروى أبو بكر بن شيبة في مصنفه عن الدراوردي عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر كانت له قمقمة يسخن فيها الماء والقمقمة بالضم إناء من نحاس فهذا أيضا دليل الرخصة .



(مهمات)

الأولى الكراهة والكراهية ضد المحبة والمحبة إرادة ما تراه أو تظنه خيرا مما سواه والمكروهات غير منحصرة فيما ذكره المصنف وتقريب حصرها عندنا بأنها ضد الأدب والمستحب فيما لم يذكره المصنف التقتير في الماء جدا حتى تفوت السنة والاستعانة بالغير لغير عذر وغير ذلك .

الثانية في ذكر بعض آداب الوضوء مما لم يذكره المصنف ، فمنها عن الجلوس في مكان مرتفع تحرزا عن الغسالة واستقبال القبلة إن أمكن والجمع بين نية القلب وفعل اللسان والمضمضة والاستنشاق باليمنى والامتخاط باليسرى والتوضؤ قبل دخول الوقت لغير المعذور والشرب من فضل الوضوء قائما ووضع الإبريق على يساره ووضع يده حالة الغسل على عروته لا رأسه وملؤه استعدادا لوقت آخر وحفظ الثياب من التقاطر وقراءة سورة القدر بعده ، فإنها تعدل ربع القرآن .

الثالثة الوضوء عندنا على ثلاثة أقسام فرض على المحدث للصلاة ولو كانت نفلا ولصلاة الجنازة وسجدة التلاوة ومس القرآن ولو آية ، والثاني واجب ، وهو الطواف بالكعبة لما لم يكن صلاة حقيقة لم يتوقف صحته على الطهارة ، فإذا طاف محدثا صح ولزمه دم في الواجب وصدقة في التطوع والثالث مندوب للنوم على الطهارة وللمداومة عليه وللوضوء وبعد غيبة ونميمة [ ص: 373 ] وبعد كل خطيئة وإنشاد شعر قبيح وقهقهة خارج الصلاة وغسل ميت وحمله ولوقت كل صلاة وقبل غسل الجنابة وللجنب عند أكل وشرب ونوم ووطء ولغضب وقراءة قرآن وحديث ، وروايته ودراسة علم شرعي وأذان وإقامة وخطبة وزيارة النبي صلى الله عليه وسلم ووقوف عرفة وللسعي بين الصفا والمروة وأكل لحم جزور ، وللخروج من خلاف العلماء ليكون مقيما للعبادة بطهارة متفق عليا استبراء لدينه .




الخدمات العلمية