الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
كيفية الغسل .

وهو أن يضع الإناء عن يمينه ثم يسمي الله تعالى ويغسل يديه ثلاثا ثم يستنجي كما وصفت لك ويزيل ما على بدنه من نجاسة إن كانت .

التالي السابق


(كيفية الغسل ) هو بالضم اسم من الاغتسال ، وهو تمام غسل الجسد واسم للماء يغتسل به أيضا والضم هو الذي يستعمله الفقهاء أو أكثرهم ؛ لأنه يجوز فتح الغين كضمها والفتح أفصح وأشهر عند أئمة اللغة واصطلاحا غسل اليدين بالماء الطهور ومن جنابة أو حيض أو نفاس والجنابة حالة تحصل عند التقاء الختانين أو خروج المني على وجه الشهوة فيصير من قامت به جنبا ، وقد أعرض المصنف عن الكلام في موجبات الجنابة وأحكامها وتكلم في كيفية الغسل ، والقول فيه يتعلق بالأكمل والأقل وقدم الأكمل فقال : (وهو أن يضع الإناء) المعد لماء الغسل (عن يمينه) ليكون أسهل له في التناول (ثم يسمي الله عز وجل) ، أي : يقول : بسم الله وهي سنة (ويغسل يده ثلاثا) بأن يفرغ عليها وذلك قبل إدخالها الإناء ولم يقيد إلى الرسغ لظهوره وهي سنة (ثم يستنجي) ، أي : يغسل فرجه بالماء ، وإن لم تكن به نجاسة ليطمئن بوصول الماء إلى الجزء الذي ينضم من الفرج حال القيام وينفرج حين الجلوس (كما وصفنا) ، أي : في باب الاستنجاء (و) أن (يزيل ما على بدنه من نجاسة إن كانت) بانفرادها ليقلل في الماء ويطمئن بزوالها قبل أن تشيع على الجسد وعبارة المصنف في الوجيز والأكمل أن يغسل ما على بدنه من الأذى أولا وعبارة الوسيط هكذا إلا أنه قال : من الأذى والنجاسة ، وقال الرافعي : كمال الغسل يحصل بأمور منها أن يغسل ما على بدنه من أذى أولا إن اعترض معترض فقال الأذى المذكور إما أن يكون المراد منه الشيء القذر أو النجاسة وكيف يجوز الأول ، وقد فسر الشارحون قول الشافعي رضي الله عنه : ثم يغسل ما به من أذى بموضع الاستنجاء ، أما إذا كان قد استنجى بالحجر ، وهذا تفسير له بالنجاسة ، وكذلك فسروا لفظ الأذى في الخبر ، وإن كان الثاني فكيف عطف النجاسة على الأذى في الوسيط والعطف يقتضي المغايرة ، ثم من على بدنه نجاسة لا بد له من إزالة النجاسة أولا ليعتد بغسله ووضوئه ، وإذا كان ذلك كذلك كان غسل الموضع من النجاسة من الواجبات لا من صفات الكمال ، الجواب قلنا : من على بدنه نجاسة لو اقتصر على الاغتسال والوضوء وزالت تلك النجاسة طهر المحل [ ص: 377 ] وهل يرتفع الحدث فيه وجهان حكاهما في المعتمد وغيره ، وفي الروضة للنووي قلت : الأصح أنه يطهر عن الحدث أيضا والله أعلم اهـ .

ثم قال الرافعي : فإن قلنا بارتفاع الحدث أمكن عد إزالة النجاسة من جملة صفات الكمال ، وإن قلنا : لا يرتفع ، وهو الظاهر من الأذى فالمذهب المعدود إزالته من جملة صفات الكمال إنما هو الشيء المستقذر ، ثم إن تقديم إزالة النجاسة شرط في الوضوء والغسل لا أنه واجب ، كما ظنه كثير من الأصحاب ولم يتفق المفسرون لكلام الشافعي على أن المراد بالأذى النجاسة ، بل اختلفوا منهم من فسره بها ، ومنهم فسره بالمني ونحوه مما يستقذر حكى هذا الخلاف القاضي ابن كج وغيره اهـ .



(تنبيه)

قال صاحب الهداية : من أصحابنا وسنته أن يبدأ فيغسل يده وفرجه ويزيل نجاسته إن كانت على بدنه قال الشيخ أكمل الدين في شرحه : هكذا في نسخ الكتاب أي بتنكير النجاسة قال في النهاية : وهو منقول عن الإمام حميد الدين الضرير أنه أصح ، وفي بعض النسخ النجاسة وليس بصحيح ؛ لأن لام التعريف إما أن تكون للعهد أو الجنس لا وجه للأول ؛ لأن كلمة الشك تأباه ولا وجه للثاني ؛ لأن كون النجاسات كلها في بدنه محال وأقلها ، وهو الجزء الأول الذي لا يتجزأ غير مراد أيضا ؛ لأنه علل ذلك في الكتاب بقوله : كيلا تزداد بإصابة الماء ، وهذا القليل الذي ذكرناه لا يزداد عند إصابة الماء ، ثم قال : إلا أن الرواية بالألف واللام قد ثبتت في النسخ فوجهه أن يحمل على تحسين النظم ، وقال بعض الشارحين : إنما يتعين التنكير إذا انحصر الكلام في التعريفين وليس كذلك لجواز أن اللام لتعريف الماهية وليس بشيء ؛ لأن الماهية من حيث هي لا توجد في الخارج فإما أن توجد في الأقل أو غيره وذلك فاسد ظاهر اهـ .

قلت : وقد ألم بهذا البحث قاضي زاده على حواشي شرح الوقاية نقلا عن عصام الدين ، وذكر ما قدمناه آنفا عن الشيخ أكمل الدين وحاصل الجواب على تقدير نسخة التعريف اختيار العهد الذهني وحمل النجاسة بقرينة وقوعها مفعول يزيل على ما يقصد إزالته عرفا والأقل الذي هو الجزء الذي لا يتجزأ ليس كذلك ونظيره قول القائل لعبده : اشتر اللحم ، فإنه يتقيد فيه اللحم بما يتعارف اشتراؤه في الأسواق حتى لو اشترى العبد مقدار ذرة منه مثلا لم يعد ممتثلا ولو سلم تناول لفظ النجاسة هذا القدر فلا نسلم أنه لا يزداد بإصابة الماء بدلالة المسألة عليه ممنوعة لجواز أن يكون عدم التنجس لعدم الاعتداد بالقدر المذكور ، وإن ازداد على أنه لو صح ما ذكر في إبطال هذا القسم لم يصح تنكير النجاسة أيضا حيث تناولت النكرة فردا ما أي فرد كان اهـ. وقد اعترضه بعض الفضلاء فقال علاوة الجواب التسليمي منظور فيها ؛ لأن التنوين قد يكون للتكثير على ما عرف في علم المعاني فيجوز أن يكون تنكير النجاسة فيما نحن فيه أيضا للتكثير فحينئذ لا تتناول النكرة أقل من مقدار الذرة لعدم تحقق الكثرة فيه أصلا بخلاف المعرفة على تقدير العهد الذهني فافترقا وتفصيله في حاشية شيخي زاده ، والله أعلم .




الخدمات العلمية