الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والفقيه لا يتكلم في حزازات القلوب وكيفية العمل بها بل فيما يقدح في العدالة فقط فإن جميع نظر الفقيه مرتبط بالدنيا التي بها صلاح طريق الآخرة فإن تكلم في شيء من صفات القلب وأحكام الآخرة فذلك يدخل في كلامه على سبيل التطفل كما قد يدخل في كلامه شيء من الطب والحساب والنجوم وعلم الكلام وكما تدخل الحكمة في النحو والشعر .

وكان سفيان الثوري وهو إمام في علم الظاهر يقول إن طلب هذا ليس من زاد الآخرة كيف وقد اتفقوا على أن الشرف في العلم العمل به فكيف يظن أنه علم الظهار واللعان والسلم والإجارة والصرف ومن تعلم هذه الأمور ليتقرب بها إلى الله تعالى فهو مجنون وإنما العمل بالقلب والجوارح في الطاعات والشرف هو تلك الأعمال

التالي السابق


(والفقيه لا يتكلم في حزازات القلوب) التي تؤثر فيها (وكيفية العمل بها) ومعالجتها (بل فيما يقدح في العدالة) الظاهرة مما يتعلق بالولايات في سقوط الشهادة وعدمه (فإذا جميع نظر الفقيه يرتبط بالدنيا التي فيها صلاح طريق الآخرة) وفي بعض النسخ: مرتبط، وبها بدل فيها (فإن تكلم) يوما (في الإثم) وما ينشأ منه (وصفات القلب) المحمودة والمذمومة (وأحكام الآخرة فذلك يدخل في كلامه على سبيل التطفل) والاستتباع غير مقصود بالذات (كما قد يدخل في كلامه) تارة (شيء من الطب والحساب والنحو وعلم الكلام) فكل ذلك على سبيل التبعية (وكما تدخل الحكمة في النحو والشعر) استطرادا .

(وكان سفيان بن سعيد الثوري) رحمه الله تعالى يأتي ذكره قريبا (وهو إمام في علم الظاهر) جليل القدر، صاحب فتوى وحديث، يقول مع جلالة قدره في العلم: (إن طلب هذا) أي: [ ص: 161 ] علم الحديث (ليس من زاد الآخرة) نقله صاحب القوت، وإنما قال ذلك سفيان لأن حب الإسناد وشهوة الرواية غلبا على قلبه حتى كان يحدث عن الضعفاء، ومن لا يحتج بروايته، فمن اشتهر منهم باسمه ذكر كنيته تدليسا للرواية عنه فخاف على نفسه من ذلك ولم يجعله من زاد الآخرة، وسيأتي الكلام عليه في آخر الباب الخامس من هذا الكتاب (كيف وقد اتفقوا) وأجمعوا (على أن الشرف) المقصود لذاته (في العلم ليعمل به) على وجهه (فكيف يظن أنه علم اللعان والظهار والسلم والإجارة والصرف) وغيرها من أحكام المعاملات (ومن تعلم هذه الأمور) وانفرد في تدقيقاتها ومعرفة الراجح منها من المرجوح (ليتقرب بتعاطيها) وتناولها (إلى الله تعالى فهو مجنون) غطي على عقله، وشبه عليه (وإنما الأعمال بالقلب) أي بإحضاره (والجوارح) معا (في) سائر (الطاعات) والتقربات (والشريف هو علم تلك الأعمال) ، وهذا تقرير واضح وقد أنكر عليه المغاربة لما وصل إليهم الكتاب، وأقاموا عليه النكير، وقالوا: كيف يقول للعالم بالأحكام الشرعية: إنه مجنون .




الخدمات العلمية