الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فينبغي أن يصبر حتى يدخل عليه وقت الفريضة ثم يقصد صعيدا طيبا عليه تراب طاهر خالص لين بحيث يثور منه غبار ويضرب عليه كفيه ضاما بين أصابعه ويمسح بهما جميع وجهه مرة واحدة .

التالي السابق


ثم قال المصنف بعد ذكر الأسباب : (فينبغي أن يصبر حتى يدخل عليه وقت الفريضة) ، وهذا بناء على أنه لا يتيمم لصلاة قبل دخول وقتها وفيه خلاف لأبي حنيفة فلو تيمم لفريضة قبل دخول وقتها لم يصح للفرض وهل يصح للنفل ؟ حكى المتولي فيه وجهين وظاهر المذهب لا وكما لا يتقدم التيمم للمؤداة على وقتها لا يتقدم للفائتة على وقتها (ثم يقصد صعيدا طيبا) قلت : أشار المصنف بقوله إلى أن القصد إلى الصعيد ركن من أركان التيمم السبعة ودليله قوله تعالى : فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا أمرنا بالتيمم والمسح والتيمم هو القصد فلو وقف في مهب الريح فسفت عليه التراب فأمر اليد عليه نظر إن وقف غيرنا وثم لما حصل التراب عليه نوى التيمم لم يصح تيممه ، وإن وقف قاصدا بوقوفه التيمم حتى أصابه التراب فمسح بيده فظاهر نص الشافعي رضي الله عنه وقول أكثر الأصحاب أنه لا يصح تيممه ؛ لأنه لم يقصد التراب ، وإنما التراب أتاه ، وعن أبي حامد المروزي أنه يصح كما لو جلس للوضوء تحت الميزاب أو برز للمطر وذكره صاحب التقريب ، وبه قال الحليمي والقاضي أبو الطيب وحكاه ابن كج عن نص الشافعي رضي الله عنه ، وأما الصعيد ففي المصباح هو وجه الأرض ترابا كان أو غيره ، وقال الزجاج : لا أعلم اختلافا بين أهل اللغة في ذلك ، ويقال : الصعيد في كلام العرب ينطلق على وجوه على وجه التراب الذي على وجه الأرض وعلى وجه الأرض وعلى الطريق قال الأزهري : ومذهب أكثر العلماء أن الصعيد في الآية هو التراب الطاهر الذي على وجه الأرض أو خرج من باطنها اهـ و الطاهر اسم للمنبت والحلال والطاهر وأليق المعاني به الطاهر ؛ لأنه شرع للتطهير أو هو مراد ؛ إذ الطهارة شرط إجماعا فلم يبق غيره مرادا ؛ لأن المشترك لا عموم له ، ولكن سياق المصنف يشعر بأن المراد من الصعيد هنا وجه الأرض ، فإنه قال : (عليه تراب) فلا يصح التيمم إلا به ، وبه قال أبو يوسف وأحمد : فلا يكفي ضرب اليد على حجر صلد لا غبار عليه خلافا لأبي حنيفة ومحمد حيث قالا : يجوز بكل ما هو من جنس الأرض كالتراب والرمل والحجر الأملس والزرنيخ والكحل ولا يشترط أن يكون على الحجر المضروب عليه غبار ولمالك حيث يقول بمثل قولهما وزاد فجوز بكل متصل بالأرض أيضا كالأشجار والزروع قلت التيمم بالنباتات الأرضية قيد جواز التيمم به الخرشي في شرح المختصر بثلاثة شروط ورجحه شيخنا المرحوم علي بن أحمد بن مكرم الصعيدي في حاشيته وعند أبي حنيفة كل شيء يصير رمادا أو يلين بالإحراق لا يجوز به التيمم وإلا جاز وهو ضابط صحيح قال الرافعي : ثم اسم التراب لا يختص ببعض الألوان والأنواع فيدخل فيه الأعفر والأصفر والأسود والأحمر والأرمني والخراساني والسبخ ، وهو الذي لا ينبت دون الذي يعلوه ملح ، فإن الملح ليس هو بتراب والبطحاء ، وهو التراب الذي في مسيل الماء وكل ذلك يقع عليه اسم التراب وما روي عن الشافعي في بيان ما لا يتيمم به ولا السبخ ولا البطحاء فليس ذلك اختلاف قول منه باتفاق الأصحاب ، وإنما أراد ما إذا كانا صلبين لا غبار عليهما فهما إذا كالحجر الصلد وأغرب أبو عبد الله الحناطي فحكى في جواز التيمم بالذريرة النورة والزرنيخ قولين ، وكذا في الأحجار المدفونة والقوارير المسحوقة ، وأما الرمل فقد حكي عن نصه في القديم والإملاء جواز التيمم به ، وعن الأم المنع والنصان محمولان على حالتين إن كان خشنا لا يرتفع منه غبار ، وهو المراد بالمنع ، فإن ارتفع جاز ، وهو المراد بالجواز ، ثم المعتبر في أوصاف التراب ما أشار إليه المصنف بقوله : (طاهر خالص) ، أما كونه طاهرا فلا بد منه فلا يجوز التيمم بالتراب النجس ، وهو الذي أصابه مائع [ ص: 391 ] نجس ، أما إذا اختلط به جامد نجس كأجزاء الروث فلا تؤثر في أجزائه النجاسة ، لكن لا يجوز التيمم به أيضا ولو تيمم بتراب المقابر ففي جوازه قول يقابل الأصل والغالب والظاهر ، وأما كونه خالصا فيخرج عنه المشوب بالزعفران والدقيق ونحوهما ، فإن كان الخليط كثيرا لم يجز ، وإن كان قليلا فوجهان عن أبي إسحق وصاحب التقريب أنه لا يضر وزاد المصنف في الوجيز وصفا ثالثا ، وهو أن يكون مطلقا احترازا عن المستعمل ، وقد نظر فيه الرافعي وأطال الكلام في حكم التراب المستعمل فراجعه وقول المصنف (لين بحيث يثور) ، أي : يرتفع (منه الغبار) هذا وصف رابع للتراب ولم يذكره في الوجيز (ويضرب عليه كفيه) وصورة الضرب غير معينة ، بل لو كان التراب ناعما فوضع اليد عليه وعلق الغبار به كفى حالة كونه (ضاما بين أصابعه) غير مفرق قال الرافعي : يمكن أن يراد به أن لا يجوز التفريج ذهابا إلى ما صار إليه القفال ومن وافقه ، لكنه لم يرد ذلك ؛ لأنه روى كلام القفال في الوسيط واستبعده ، وإنما أراد أنه لا يجب التفريج أو أنه لا يستحب أو أنه يستحب أن لا يفرج والله أعلم وسيأتي الكلام عليه قريبا (ويمسح بهما جميع وجهه مرة واحدة) مبتدئا بأعلاه .




الخدمات العلمية