الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقال صلى الله عليه وسلم : من صلى صلاة لوقتها وأسبغ وضوءها وأتم ركوعها وسجودها وخشوعها ، عرجت وهي بيضاء مسفرة تقول : حفظك الله كما حفظتني ، ومن صلى لغير وقتها ولم يسبغ وضوءها ولم يتم ركوعها ولا سجودها ولا خشوعها عرجت وهي سوداء مظلمة تقول : ضيعك الله كما ضيعتني ، حتى إذا كانت حيث شاء الله ، لفت كما يلف الثوب الخلق فيضرب بها وجهه وقال صلى الله عليه وسلم أسوأ : الناس سرقة الذي يسرق من صلاته وقال ابن مسعود رضي الله عنه وسلمان رضي الله عنه : الصلاة مكيال ، فمن أوفى استوفى ومن طفف فقد علم ما قال الله في المطففين .

التالي السابق


(وقال صلى الله عليه وسلم: من صلى صلاة) ، وفي نسخة العراقي: "من صلى الصلاة"، (لوقتها) ، ونص الطبراني: "من صلى الصلوات لوقتها" (وأسبغ) لها (وضوءها وأتم) لها (ركوعها وسجودها وخشوعها، عرجت) ، أي: صعدت، وعند الطبراني: "وأتم لها قيامها وخشوعها وركوعها وسجودها، خرجت" (وهي بيضاء مسفرة) اللون، (تقول:) بلسان حالها (حفظك الله كما حفظتني، ومن صلى) الصلوات [ ص: 13 ] (لغير وقتها ولم يسبغ) لها (وضوءها ولم يتم) لها (ركوعها ولا سجودها ولا خشوعها عرجت) ، وعند الطبراني : "خرجت"، (وهي سوداء مظلمة تقول: ضيعك الله كما ضيعتني، حتى إذا كانت حيث شاء الله، لفت كما يلف الثوب الخلق)، أي: القديم المستعمل (فيضرب بها وجهه) ، وعند الطبراني : "ثم ضرب بها وجهه" قال العراقي: أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث أنس بسند ضعيف، وللطيالسي والبيهقي في "الشعب" من حديث عبادة بن الصامت بسند ضعيف نحوه .

قلت: لفظ البيهقي في الشعب: "من توضأ فأسبغ الوضوء ثم قام إلى الصلاة، فأتم ركوعها وسجودها والقراءة فيها، قالت: حفظك الله كما حفظتني، ثم أصعد بها إلى السماء، ولها ضوء ونور، ففتحت لها أبواب السماء حتى ينتهى بها إلى الله فتشفع لصاحبها، وإذا لم يتم ركوعها ولا سجودها ولا القراءة فيها قالت: ضيعك الله كما ضيعتني، ثم أصعد بها إلى السماء وعليها ظلمة، فغلقت دونها أبواب السماء، ثم تلف كما يلف الثوب الخلق، فيضرب بها وجه صاحبها".

(وقال صلى الله عليه وسلم: شر الناس) ، كذا في نسخة، وفي أخرى: أسوأ الناس (سرقة) ، وهي نسخة العراقي ومثله في "القوت"، (من يسرق من صلاته) ، فلا يتم ركوعها ولا سجودها، هكذا نص "القوت"، وزاد غيره: "ولا خشوعها"، ونقل المناوي عن الطيبي ما نصه: جعل السرقة نوعين: متعارفا وغير متعارف، وهو مما ينقص من الطمأنينة والخشوع، ثم جعل غير المتعارف أسوأ من المتعارف، ووجه كونه أسوأ: أن السارق إذا أخذ مال الغير قد ينتفع به في الدنيا، أو يستحل صاحبه، أو يحد فينجو من عذاب الآخرة، بخلاف هذا، فإنه سرق حق نفسه من الثواب، وأبدله منه العقاب في العقبى اهـ .

قال العراقي: أخرجه أحمد والحاكم، وصحح إسناده من حديث أبي قتادة الأنصاري اهـ .

قلت: خرجه مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد عن النعمان بن مرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما ترون في الشارب والسارق والزاني؟ قال: وذلك قبل أن ينزل فيهم، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هن فواحش وفيهن عقوبة، وأسوأ السرقة الذي يسرق من صلاته، قالوا: كيف يسرق من صلاته؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها ولا خشوعها". وأخرجه أبو داود والطيالسي وأحمد أيضا، وأبو يعلى عن أبي سعيد الخدري، قال الهيثمي: فيه علي بن زيد مختلف في الاحتجاج به، وبقية رجاله رجال الصحيح. وقال الذهبي : إسناده صالح، وقال المنذري : رواه الطبراني في الثلاثة عن عبد الله بن مغفل بإسناد جيد، لكنه قال في أوله: أسرق الناس، (وقال) عبد الله ( ابن مسعود وسلمان) الفارسي (رضي الله عنهما: الصلاة مكيال، فمن أوفى استوفى) ، أي: من أوفى بالمحافظة عليها استوفى ما وعد به من الفوز بالثواب، وهذا مثل الذي تقدم في أول الباب مثل: "الصلاة المكتوبة مثل الميزان" الحديث، ونص "القوت": "فمن أوفى أوفي له" (ومن طفف فقد علم) ، ونص "القوت": "فقد علمتم" (ما قال الله في المطففين) ، والتطفيف: نقص المكيال والميزان، وقد طففه فهو مطفف إذا كال أو وزن ولم يوف .




الخدمات العلمية