الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقال صلى الله عليه وسلم : من ألف المسجد ألفه الله تعالى وقال صلى الله عليه وسلم : إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس .

التالي السابق


(وقال صلى الله عليه وسلم: من ألف المسجد) ، أي: تعود القعود فيه لنحو صلاة وذكر لله عز وجل واعتكاف، وتعلم علم شرعي وتعليمه ابتغاء وجه الله تعالى (ألفه الله تعالى) ، أي: آواه إلى كنفه، وأدخله في حرز حفظه، وأصل الألفة: اجتماع مع التئام، ومن هنا قال مالك بن دينار: المنافقون في المساجد كالعصافير في القفص، وكان أبو مسلم الخولاني يكثر الجلوس في المساجد ويقول: إنها مجالس الكرام. أخرجه الطبراني في "الأوسط" من حديث أبي سعيد الخدري بسند ضعيف، قاله العراقي. وهكذا هو في "الجامع الكبير" للسيوطي، وعزاه في "الجامع الصغير" إلى "المعجم الأصغر" للطبراني، فإن لم يكن سبق قلم من الناسخ فيحتمل أن يكون مذكورا فيهما، وقول العراقي "بسند ضعيف" يشير إلى أن في سنده ابن لهيعة، كما أفاده النور الهيثمي وهو ضعيف، والكلام فيه مشهور لا نطيل بذكره، والله أعلم .

(وقال صلى الله عليه وسلم: إذا دخل أحدكم المسجد) أي: وهو متطهر، (فليركع) أي: فليصل ندبا مؤكدا (ركعتين) تحية المسجد (قبل أن يجلس) تعظيما للبقعة، والصارف عن الوجوب خبر "هل علي غيرها؟ قال: لا"، وأخذ بظاهره الظاهرية، ثم هذا العدد لا مفهوم لأكثره اتفاقا، وفي أقله خلف، والصحيح اعتباره، فلو قعد سهوا وقصر الفصل شرع تداركهما كما جزم به في "التحقيق"، ونقله في "الروضة" عن ابن عبدان، واستقر به وأيده بأنه صلى الله عليه وسلم قال وهو قاعد على المنبر يوم الجمعة لسعيد الغطفاني، لما قعد قبل أن يصلي: "قم فاركع ركعتين"، إذ مقتضاه كما في "المجموع" أنه إذا تركهما جهلا أو سهوا شرع له فعلهما إن قصر الفصل، قال: وهو المختار. قال في شرح "المهذب": فإن صلى أكثر من ركعتين بتسليمة واحدة جاز، وكانت كلها تحية لاشتمالها على الركعتين، وتحصل بفرض أو نفل آخر سواء نويت معه أم لا؛ لأن المقصود وجود صلاة قبل الجلوس، وقد وجدت، ولا تحصل بركعة ولا بجنازة وسجدة تلاوة وشكر على الصحيح، ولا تسن لداخل المسجد الحرام؛ لاشتغاله بالطواف واندراجها معه تحت ركعتيه، ولا إذا اشتغل الإمام بالفرض، ولا إذا شرع المؤذن بإقامة الصلاة أو قرب إقامتها، ولا للخطيب يوم الجمعة عند صعوده المنبر على الصحيح في "الروضة"، ولو دخل وقت كراهة كره له أن يصليها في قول أبي حنيفة وأصحابه ومالك، والصحيح من مذهب الشافعي عدم الكراهة إن دخل المسجد لا بقصد التحية. قال المناوي: وظاهر الحديث تقديم تحية المسجد على تحية أهله، وقد جاء صريحا من قوله وفعله، فكان يصليها ثم يسلم على القوم، قال ابن القيم: وإنما قدم حق الحق على حق الخلق هنا عكس حقهم المالي لعدم اتساع الحق المالي لأداء الحقين، فنظر لحاجة الآدمي وضعفه بخلاف السلام، فعلى داخل المسجد ثلاث تحيات مرتبة: الصلاة على النبي كما ورد، فالتحية، فالسلام على [ ص: 29 ] من فيه، أخرجه أحمد والشيخان والترمذي، وأبو داود والنسائي من حديث أبي قتادة الحرث بن ربعي السلمي بفتحتين الأنصاري، وله سبب خاص، وذلك لأن "أبا قتادة دخل المسجد فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا بين صحبه فجلس معهم، فقال له: ما منعك أن تركع؟ قال: رأيتك جالسا والناس جلوس" فذكره، وأخرجه ابن ماجه من حديث أبي هريرة.



(تنبيه) :

ما ذكره من السياق هو بعينه نص البخاري والجماعة، ووجد في بعض الروايات: "فلا يجلس حتى يركع ركعتين". وفي بعضها: "حتى يصلي"، هكذا وجد بخط المناوي في شرح "الجامع الصغير"، وفي بعض نسخ "الجامع": "حتى يركع" كما عند البخاري والجماعة، وهكذا هو في "الجامع الكبير"، والله أعلم .




الخدمات العلمية