الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم يقرأ الفاتحة يبتدئ فيها ب بسم الله الرحمن الرحيم .

التالي السابق


(ثم يقرأ) سورة (الفاتحة) ، أي: فاتحة الكتاب، وهي سورة الحمد، ولها أسماء غيرهما: فأم الكتاب، فأم القرآن، والأساس والوافية بالفاء والقاف، والكافية والشافية، والكنز، وإنما سميت فاتحة لأنه يفتح بها القراءة في الصلاة، وقال المصنف في "الوجيز": ثم الفاتحة بعده متعينة. قال الرافعي في شرحه: للمصلي حالتان؛ إحداهما: أن يقدر على قراءة الفاتحة، الثانية: أن لا يقدر عليها، ففي الأول يتعين عليه قراءتها في القيام أو ما يقع بدلا عنه، ولا يقوم مقامها شيء آخر من القرآن، ولا ترجمتها، وبه قال مالك وأحمد خلافا لأبي حنيفة؛ حيث قال: الغرض في القراءة آية من القرآن، سواء كانت طويلة أو قصيرة، وبأي لسان قرأ جاز، وإن كان ترك الفاتحة مكروها، والعدول إلى شيء آخر إساءة، ولا فرق في تعين الفاتحة بين الإمام والمأموم في الصلاة السرية، وفي الجهرية قولان، أحدهما: لا يجب على المأموم، وبه قال مالك وأحمد، وأصحهما أنه يجب عليه أيضا، وهذا القول يعرف بالجديد، ولم يسمعه المزني سماعا عن الشافعي، فنقله عن بعض أصحابه عنه، يقال: إنه أراد الربيع.

وأما القول الأول فقد نقله سماعا عن الشافعي، وقال أبو حنيفة : لا يقرأ المأموم لا في السرية، ولا في الجهرية، وحكى القاضي ابن كج أن بعض أصحابنا قال به، وغلط فيه .

قلت: الأدلة السمعية عند أصحابنا أربعة: قطعي الثبوت والدلالة كالنصوص المتواترة، وقطعي الثبوت ظني الدلالة كالآيات المؤولة، وظني الثبوت قطعي الدلالة كأخبار الآحاد التي مفهومها قطعي، وظني الثبوت والدلالة كأخبار الآحاد التي مفهومها ظني، فبالأول يثبت الفرض، وبالثاني وبالثالث يثبت الوجوب وبالرابع يثبت السنة والاستحباب ليكون ثبوت الحكم بقدر دليله، فتعين قراءة الفاتحة في الصلاة عندنا واجب؛ لمواظبته صلى الله عليه وسلم، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب"، وهو خبر آحاد، فأوجب العمل، فتكره الصلاة بتركها تحريما، ولا تفسد بترك الفاتحة لو قرأ غيرها لإطلاق قوله تعالى: فاقرءوا ما تيسر من القرآن ، ولا يقيد إطلاق الكتاب بالخبر المذكور؛ لأنه نسخ، ولا يجوز بخبر الواحد، ولا يجوز أن يجعل بيانا؛ لأنه لا إجمال فيها، إذ المجمل: ما يتعذر العمل به قبل البيان، والآية ليست كذلك .

فإن قلت: هو خبر مشهور، فتجوز الزيادة به قلنا: نعم، إذا كان محكما، وما روي محتمل، لأنه يجوز أن يراد به نفي الجواز، وأن يراد به نفي الفضيلة، وصح الاستدلال بالآية؛ لأن المراد منها قراءة القرآن بحقيقته، ويدل عليه السياق، وهو قوله عقيبه: وأقيموا الصلاة، وهذا تفسير بحقيقتها، والحقيقة مقدمة على المجاز، فهو مقدم على ما قال بعض المفسرين بأن المراد من الآية الصلاة بدليل السياق، فقالوا في تفسيرها: بأن تصلوا ما تيسر؛ لأنه تفسير بالمجاز وتأيد بالحديث المبين للفرائض؛ ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن على أن هذا في الواقع سند الإجماع، وهو يكفي للسنة، فإن القراءة ركن في الصلاة بالإجماع لمن يتبع، والله أعلم .




الخدمات العلمية