الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأن يقول : سبحان ربي العظيم ثلاثا والزيادة إلى السبعة وإلى العشرة حسن إن لم يكن إماما .

التالي السابق


(و) يستحب (أن يقول:) في ركوعه (سبحان ربي العظيم) ، قال النووي : قال أصحابنا: وأقل ما يحصل به الذكر في الركوع تسبيحة واحدة اهـ .

(ثلاثا) وفي "القوت": ولا أقل من ثلاث، وهو أدنى الكمال كذا في المنهج، ومثله في "العوارف" .

قلت: رواه الشافعي وأبو داود والترمذي وابن ماجه من طريق ابن يزيد الهذلي، عن عون بن عبد الله بن عتبة، عن ابن مسعود رضي الله عنه، بلفظ: "إذا ركع أحدكم فقال: سبحان ربي العظيم ثلاثا، فقد تم ركوعه". وذلك أدناه، وهو منقطع، ولذلك قال الشافعي بعد أن أخرجه: إن كان ثابتا. وأصل هذا الحديث عند أبي داود وابن ماجه، والحاكم وابن حبان من حديث عقبة بن عامر قال: "لما نزلت فسبح باسم ربك العظيم قال: اجعلوها في ركوعكم، ولما نزلت: سبح اسم ربك الأعلى قال: اجعلوها في سجودكم. قال الخطيب في "شرح المنهاج": والحكمة في تخصيص الأعلى بالسجود لأن الأعلى أفعل تفضيل يدل على رجحان معناه على غيره، والسجود في غاية التواضع، فجعل الأبلغ مع الأبلغ، والمطلق مع المطلق، (والزيادة إلى السبعة وإلى العشرة أحسن) ، يشير إلى أن الكمال له درجات، فأدناه ثلاث، كما هو مقتضى سياق المصنف، والذي يفهم من سياق التحقيق للنووي أن أدناه واحدة .

قلت: وأوجب أبو مطيع البلخي تلميذ الإمام التثليث، وهو قول شاذ عندنا، وأوسطه خمس ثم سبع ثم تسع، وأعلى الكمال إحدى عشرة، وقيل عشرة؛ لقوله تعالى: تلك عشرة كاملة ، وقال القاضي الروياني في "الحلية": لا يزيد على خمس تسبيحات، واختار السبكي أنه لا يتقيد بعدد، بل يزيد في ذلك ما شاء، ثم الزائد على أدنى الكمال إنما يستحب (إن لم يكن إماما) ، فإن الإمام لا يزيد على الثلاث كيلا يطول على القوم، وذلك فيما إذا لم يرضوا التطويل، فأما إذا رضوا فلا بأس بالزيادة على الثلاث .



(تنبيه) :

قال الرافعي : واستحب بعضهم أن يضيف إليه: وبحمده، وقال: إنه ورد في بعض الأخبار، قال الحافظ في تخريجه: روى [ ص: 60 ] أبو داود من حديث عقبة بن عامر في حديث فيه: "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع قال: سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاث مرات، وإذا سجد قال: سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات". قال أبو داود: وهذه الزيادة نخاف أن لا تكون محفوظة، وأخرجه الدارقطني من حديث ابن مسعود أيضا قال: "من السنة أن يقول الرجل في ركوعه: سبحان ربي العظيم وبحمده، وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى وبحمده". وفيه السري بن إسماعيل عن الشعبي، عن مسروق عنه، والسري ضعيف، وقد اختلف فيه على الشعبي، فرواه الدارقطني أيضا من حديث محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن الشعبي عن صلة، عن حذيفة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثا، وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى ثلاثا". ومحمد بن عبد الرحمن ضعيف، وقد رواه النسائي من طريق المستورد بن الأحنف عن صلة، عن حذيفة، وليس فيه: وبحمده، ورواه الطبراني وأحمد من حديث أبي مالك الأشعري، وهي فيه، وأحمد من حديث ابن السعدي وليس فيه: "وبحمده". وإسناده حسن، ورواه الحاكم من حديث أبي جحيفة في تاريخ نيسابور وهي فيه، وإسناده ضعيف .

قال الحافظ: وفي جمعه هذا رد لإنكار ابن الصلاح وغيره هذه الزيادة، وقد سئل أحمد عنه فيما حكاه ابن المنذر فقال: أما أنا فلا أقول: وبحمده، قال الحافظ: وأصل هذه في الصحيح عن عائشة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اغفر لي". اهـ .



(تنبيه) : آخر

قال الرافعي : وورد في الخبر أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه: "اللهم لك ركعت، ولك خشعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري، ومخي وعظمي، وشعري وبشري، وما استقلت به قدمي، لله رب العالمين". قال الحافظ: رواه الشافعي عن إبراهيم بن محمد، أخبرني صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة به، وليس فيه: "ولك خشعت وبك آمنت"، ولا فيه: "ومخي وعصبي"، ورواه أيضا من حديث علي موقوفا، وفيه: "وبك آمنت"، وفيه: "مخي"، ومن طريق أخرى عن علي موقوفا أيضا وفيه: "ولك خشعت"، ورواه مسلم من حديث علي ولفظه: "اللهم ركعت وبك آمنت، ولك أسلمت" إلى قوله: "وعظمي"، زاد فقال: "وعصبي"، ورواه ابن خزيمة وابن حبان والبيهقي وفيه: "أنت ربي"، وفي آخره: "وما استقلت به قدمي لله رب العالمين" اهـ .

قلت: ولفظة "مخي" ليست في "المحرر"، وهي في "الشرح" و"الروضة"، وفي "الروضة" و"المحرر": "وعصبي" قبل "شعري". قال في "الروضة": وهذا مع الثلاث أفضل من مجرد التسبيح اهـ .

ثم موضع هذا الدعاء بعد التسبيح كما في "العوارف"، وأنه للمنفرد كما في "المنهاج"، وإمام قوم محصورين راضين بالتطويل، كما في شرحه .

وأما أصحابنا فحملوا هذه الأحاديث الواردة على صلاة الليل والتطوعات، ولا بأس للمنفرد أن يزيد ما ورد في السنة .




الخدمات العلمية