الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأن استعاذتك بالله سبحانه منه بترك ما يحبه وتبديله بما يحب الله عز وجل لا بمجرد قولك فإن من قصده سبع أو عدو ليفترسه أو يقتله فقال : أعوذ منك بذلك الحصن الحصين وهو ثابت على مكانه فإن ذلك لا ينفعه بل لا يعيذه إلا تبديل المكان فكذلك من يتبع الشهوات التي هي محاب الشيطان ومكاره الرحمن فلا يغنيه مجرد القول فليقترن قوله بالعزم على التعوذ بحصن الله عز وجل عن شر الشيطان وحصنه لا إله إلا الله ، إذ قال عز وجل فيما أخبر عنه نبينا صلى الله عليه وسلم : لا إله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي .

التالي السابق


(و) اعلم أيضا (أن استعاذتك بالله منه) ، أي: طلب تحصينك ونجاتك من شره، إنما يكون (بترك ما يحبه) مما يخالف رضا الله تعالى (وتبديله بما يحب الله) في كل عمل بدني أو قلبي (لا بمجرد قولك) أعوذ بالله منه (فإن من قصده سبع) بفتح فضم هو كل ما له ناب يعدو به ويفترس، كالذئب والفهد والنمر، وأما الثعلب فليس بسبع، وإن كان له ناب؛ لأنه لا يعدو به، ولا يفترس وكذلك الضبع، قاله الأزهري.

ونقل الصاغاني سكون الباء، وقال: هي لغة، وهكذا قرئ قوله تعالى: وما أكل السبع ، وهو مروي عن الحسن البصري وأبي حيوة، وطلحة بن سليمان، ورواه بعضهم عن عبد الله بن كثير أحد السبعة (أو عدو) ، فالأول من الحيوانات، والثاني من بني آدم (ليفترسه) ، أي: ليكسره، (أو ليقتله) ، وفيه لف ونشر مرتب (فقال: أعوذ منك بهذا) ، وفي نسخة بذلك (الحصن الحصين) ، أي: المنيع المحصن، أي: أعتصم به من شرك (وهو ثابت على مكانه) لم يتحرك إلى ذلك الحصن (إن ذلك) القول من غير فعل (لا ينفعه) أبدا (بل لا يعيذه) ويجيره (إلا تبديل المكان) والفرار منه إلى نحو الحصن فيتحصن منه فحينئذ لا يقدر العدو منه، ولا يتمكن من أذاه، (فكذلك من تبع الشهوات) الظاهرة والخفية (التي هي محاب الشيطان) ، أي: تحمله على المحبة، (ومكاره الرحمن) قد كرهها، ونهى عنها، (فلا يقيه) ، وفي نسخة: فلا يعيذه (مجرد القول فليقرن قوله) ، أي: يضمه (بالعزم) التام (على التعوذ) ، أي: الالتجاء (بحصن الله -عز وجل- من شر الشيطان) وشركه (وحصنه لا إله إلا الله، إذ قال الله تعالى فيما أخبر عنه نبينا -صلى الله عليه وسلم-: لا إله إلا الله حصني) لأن اسم الله هو الاسم الجامع لمعاني الأسماء، إذ كان في قوة هذا الاسم حقيقة كل اسم واقع في مقابلة كل خاطر ينبغي أن يدفع، فهكذا ينبغي لكل مصل أن يتحصن بهذا الحصن العظيم بخالص من قلبه، يطلب بذلك عصمة ربه ويحقق ذلك في استعاذته إن وفقه الله تعالى .

قال العراقي: رواه الحاكم [ ص: 147 ] في التاريخ، وأبو نعيم في الحلية من طريق أهل البيت من حديث علي بإسناد ضعيف جدا. وقول أبي منصور الديلمي أنه حديث ثابت مردود عليه اهـ .

قلت: هذا الحديث قد وقع لي في مسلسلات شيخ شيوخنا أبي عبد الله محمد بن أحمد بن سعيد الحنفي المكي فيما قرأته على شيخي الإمام رضي الدين عبد الخالق بن أبي بكر المزجاجي الحنفي بمدينة زبيد في شهور سنة 1162 قال: حدثنا به أبو عبد الله المكي المذكور قراءة عليه، أخبرنا الحسن بن علي بن يحيي المكي، أخبرنا محمد بن العلاء الحافظ، أخبرنا النور علي بن محمد بن عبد الرحمن، أخبرنا البدر الكرخي، وحسن بن الجابي الحنفيان، أخبرنا الحافظ جلال الدين أبو الفضل السيوطي، أخبرنا الشمس محمد بن محمد ابن إمام الكاملية، أخبرنا الحافظ أبو النعيم رضوان بن محمد العقبي، أخبرنا الحافظ شمس الدين محمد بن محمد ابن الخزري، أخبرنا الجمال محمد بن محمد الجمالي، أخبرنا شيخ المحدثين ببلاد فارس سعيد الدين أبو محمد محمد بن مسعود بن محمد بن مسعود البلياني الكازروني من ولد الأستاذ أبي علي الدقاق، أخبرنا الظهير إسماعيل بن المظفر بن محمد الشيرازي، أخبرنا أبو طاهر عبد السلام بن أبي الربيع الحنفي، أخبرنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن سابور القلانسي، أخبرنا أبو المبارك عبد العزيز بن محمد بن منصور الآدمي، أخبرنا الحافظ أبو مسعود سليمان بن إبراهيم بن محمد بن سليمان، حدثنا أبو صالح أحمد بن عبد الملك بن علي النيسابوري، حدثنا الأستاذ أبو طاهر محمد بن محمد بن محيش الزيادي، حدثنا أبو محمد أحمد بن محمد بن إبراهيم بن هاشم البلاذري الحافظ، حدثنا الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى الكاظم، حدثني أبي علي بن محمد، حدثني أبي محمد بن علي، حدثني أبي علي بن موسى الرضي، حدثني أبي موسى الكاظم، حدثني أبي جعفر الصادق، حدثني أبي محمد الباقر، حدثني أبي زين العابدين، حدثني أبي الحسين بن علي، حدثني أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حدثني محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-، حدثني جبريل سيد الملائكة عليه السلام قال: "قال الله سيد السادات جل وعلا: إني أنا الله لا إله إلا أنا من أقر لي بالتوحيد دخل حصني، ومن دخل حصني أمن من عذابي"، هكذا أورده نور الدين بن الصباغ في الفصول المهمة، وأبو القاسم القشيري في الرسالة .

ورواه أبو بكر بن شاذان بن بحير المطوعي الرازي بنيسابور فقال: حدثنا أيوب بن منصور بن أيوب، حدثنا عبد الله بن أشرش قال: مر بنا علي بن موسى الرضي من آل محمد -صلى الله عليه وسلم-، فقمت إليه فقلت: سألتك بالله لما حدثتني، قال: حدثني أبي عن أبيه عن جده عن النبي -صلى الله عليه وسلم- عن جبريل عن الله -عز وجل- قال: "لا إله إلا الله حصني، ومن دخل حصني أمن من عذابي". وأخرجه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه، كلهم من غير تسلسل عن أنس رفعه: "إني أنا الله لا إله إلا أنا". فساقوه بمثل رواية ابن الجزري .

وفي مسند الفردوس لابن الديلمي من رواية هارون بن راشد عن فرقد السبخي عن أنس رفعه: "لا إله إلا الله كلمتي، وأنا هو، فمن قالها أدخلته حصني ومن أدخلته حصني فقد أمن، والقرآن كلامي ومني خرج". قال الحافظ السيوطي في ذيله على الموضوعات: هارون بن راشد، قال الذهبي : مجهول، وفرقد ضعفه الدارقطني، والراوي عن هارون يوسف بن خالد، وهو كذاب .

قلت: وأخرجه الشيرازي في الألقاب عن علي نحوه، إلا أنه قال: كلامي بدل كلمتي، وفي آخره: أمن من عقابي .

وأخرجه ابن عساكر وابن النجار في تاريخيهما من رواية أحمد بن عامر بن سليمان الطائي عن علي بن موسى عن آبائه، وفيه: حدثني جبريل قال: يقول الله تعالى: لا إله إلا الله حصني، فمن دخله أمن من عذابي، قال الذهبي : في المغني عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي له نسخة عن أهل البيت باطلة، وأخرجه الحافظ بن ناصر الدين الدمشقي في مسلسلاته من طريق أبي إسحاق البزدري عن عبد الله بن أحمد الطائي المذكور، ثم نقل عن الذهبي قوله: ما تنفك هذه النسخة من وضعه، أي: عبد الله بن أحمد، أو من وضع أبيه، وأخرجه ابن الجزري كما تقدم، وقال: هكذا هو في المسلسلات السعيدية، يعني به محمد بن مسعود الكازروني المتقدم بذكره، قال: والعهدة فيه على البلاذري، أي: هو متكلم فيه .

وقد أخرجه الحاكم النيسابوري في التاريخ عن البلاذري، وقال: لم نكتبه إلا عنه، وأخرجه [ ص: 148 ] أيضا في الجزء المعروف بفوائد الفوائد، كذلك عن طريق البلاذري، وأخرجه أبو عثمان سعد بن محمد البحيري في كتابه في الأحاديث الألف التي يعز وجودها عن أبي محمد عبد الله بن أحمد الدومي عن البلاذري، وقد ألفت في جمع أسانيد هذا الحديث رسالة سميتها الإسعاف بالحديث المسلسل، بالإشراف، والمتمم ببعض من خرجه، ورواه في التعليقة الجليلة على مسلسلات ابن عقيلة، فمن أراد الزيادة، فليراجع هناك، والله أعلم .




الخدمات العلمية