الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الثانية : إذا خير المرء بين الأذان ، والإمامة فينبغي أن يختار الإمامة فإن لكل واحد منهما فضلا ولكن الجمع مكروه ؛ بل ينبغي أن يكون الإمام غير المؤذن وإذا تعذر الجمع ، فالإمامة أولى .

وقال قائلون : الأذان أولى لما نقلناه من فضيلة الأذان ولقوله صلى الله عليه وسلم : الإمام ضامن ، والمؤذن مؤتمن فقالوا فيها خطر الضمان وقال صلى الله عليه وسلم : " الإمام أمين ، فإذا ركع فاركعوا ، وإذا سجد فاسجدوا " وفي الحديث : " فإن أتم ، فله ولهم ، وإن نقص فعليه لا عليهم " ولأنه صلى الله عليه وسلم قال اللهم أرشد الأئمة ، واغفر للمؤذنين " والمغفرة أولى بالطلب فإن الرشد يراد للمغفرة وفي الخبر : من أم في مسجد سبع سنين وجبت له الجنة بلا حساب ، ومن أذن أربعين عاما دخل الجنة بغير حساب .

التالي السابق


(الثانية : إذا خير المريد بين الأذان ، والإمامة فينبغي أن يختار الإمامة) لمواظبة النبي - صلى الله عليه وسلم - عليها ، وكذا الخلفاء الراشدون من بعده (فإن لكل واحد منهما فضلا) ، وردت به الأخبار (ولكن الجمع) بين الأذان ، والإمامة (مكروه ؛ بل ينبغي أن يكون الإمام غير المؤذن) تبع فيه صاحب القوت ؛ حيث قال : واستحب أن يكون المؤذن غير الإمام ، كذلك كان السلف رحمهم الله تعالى ، وقد قيل : كانوا يكرهون أن يكون الإمام مؤذنا . روي ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم .

قلت : والأفضل عندنا كون الإمام هو المؤذن ، [ ص: 173 ] كذا في الدر المختار ، وعليه كان أبو حنيفة ، ففي الجامع الصغير قال يعقوب : رأيت أبا حنيفة - رحمه الله - يؤذن في المغرب ، ويقيم ، ولا يجلس ، وفي الفرائد نقلا عن شمس الأئمة : أذان الإمام بنفسه أولى ؛ لأن المؤذن يدعو إلى الله تعالى ، فمن يكون أعلى درجة ، فهو أولى الناس به ، ويروى عن عقبة بن عامر قال : كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر ، فلما زالت الشمس أذن ، وأقام ، وصلى الظهر (وإذا تعذر الجمع ، فالإمامة أولى ، وقال قائلون : الأذان أولى لما نقلناه من فضيلة الأذان) يشير إلى ما تقدم في فضله من الآثار الواردة ، والمعتمد الأول ، فإن قلت : قول سيدنا عمر - رضي الله عنه - : لولا الخليفى لأذنت يدل على أفضلية الأذان ، وهو خلاف ما قررت من أفضلية الإمامة ، فكيف الجمع بينهما ، فالجواب أن هذا لا يستلزم تفضيله عليها ؛ بل مراده لأذنت مع الإمامة لا مع تركها ، فتأمل (ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : الإمام ضامن ، والمؤذن مؤتمن ) قال العراقي : أخرجه أبو داود ، والترمذي من حديث أبي هريرة ، وحكى عن ابن المديني أنه لم يثبت ، ورواه أحمد من حديث أبي أمامة بإسناد حسن . أهـ .

قلت : وأخرجه كذلك ابن حبان في صحيحه ، والبيهقي في السنن ، والكل عندهم زيادة : اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين ، والمصنف - رحمه الله - قد فرق الحديث في موضعين .

وأخرج ابن ماجه ، والحاكم من حديث سهل بن سعد رفعه : "الإمام ضامن " ، وتقدم نقله عن القوت ، وله قصة ذكرت (فقالوا فيها) ، أي : في الإمامة (خطر الضمان) بخلاف الأذان قال الماوردي : يريد بالضمان - والله أعلم - أنه يتحمل سهو المأموم ، كما يتحمل الجهر ، والسورة ، وغيرهما .

(وقال - صلى الله عليه وسلم - : "الإمام أمير ، فإذا ركع فاركعوا ، وإذا سجد فاسجدوا " ) . هكذا أورده صاحب القوت ، وقال العراقي : رواه البخاري من حديث أبي هريرة دون قوله : "الإمام أمير " ، وهو بهذه الزيادة في مسند الحميدي ، وهو متفق عليه من حديث أنس دون هذه الزيادة . أهـ .

قلت : كأنه يشير إلى حديث : "إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا ركع فاركعوا ، وإذا سجد فاسجدوا " الحديث (وفي الحديث : "فإن أتم ، فله ولهم ، وإن نقص فعليه ولا عليهم " ) ، ولفظ القوت : وفي الحديث : "إذا أتم " ، والباقي سواء ، قال العراقي : أخرجه أبو داود ، وابن ماجه ، والحاكم ، وصححه من حديث عقبة بن عامر ، والبخاري من حديث أبي هريرة : "يصلون لكم ، فإن أصابوا فلكم ، وإن أخطئوا فلكم وعليهم " . أهـ .

قلت : ورواه ابن ماجه ، والحاكم من حديث سهل بن سعد : "ضامن ، فإن أتم فله ، وإن سها فعليه ولا عليهم " ، وحديث عقبة الذي أشار إليه ، فقد أخرجه أحمد أيضا ، ولفظهم جميعا : "من أم الناس فأصاب الوقت وأتم الصلاة فله ولهم ، ومن انتقص من ذلك شيئا فعليه ولا عليهم " .

وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث ابن عمر : "من أم قوما فليتق الله ، وليعلم أنه ضامن مسؤول لما ضمن ، وإن أحسن كان له من الأجر مثل أجر من صلى خلفه من غير أن ينتقص من أجورهم شيء ، وما كان من نقص فهو عليه " (ولأنه - صلى الله عليه وسلم - قال) : "الإمام ضامن ، والمؤذن مؤتمن (اللهم أرشد الأئمة ، واغفر للمؤذنين ") تقدم تخريجه قريبا ، والحديث واحد ، وقد فرقه المصنف في موضعين ، كما ترى (والمغفرة أولى بالطلب) ، وهي ستر الذنوب بالعفو (فإن الرشد) بضم الراء ، وسكون الشين (يراد) ، أي : يطلب (للمغفرة) ، فالرشد إذا تابع المغفرة ، فلذا كان الأفضل (وفي الخبر : من أذن في مسجد سبع سنين وجبت له الجنة بلا حساب ، ومن أذن أربعين عاما دخل الجنة بغير حساب ) قال العراقي : أخرج الترمذي ، وابن ماجه من حديث ابن عباس بالشطر الأول قال الترمذي : حديث غريب . أهـ .

وقد أورد صاحب القوت الجملتين معا ، وتبعه المصنف ، والجملة الأولى التي عزاها لابن عباس أخرجها كذلك أبو الشيخ في كتاب الأذان ، ولفظهم جميعا : "من أذن سبع سنين محتسبا كتبت له براءة من النار " . وزاد الترمذي بعد قوله غريب ضعيف ، فالحديث مذكور هنا بالمعنى وأما لفظ : "وجبت له الجنة " فعند ابن ماجه ، والحاكم من حديث ابن عمر : "من أذن اثنتي عشرة سنة وجبت له الجنة " .




الخدمات العلمية