الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الخامسة : أن لا يكبر حتى تستوي الصفوف فليلتفت يمينا ، وشمالا ، فإن رأى خللا أمر بالتسوية .

قيل : كانوا يتحاذون بالمناكب ويتضامون بالكعاب .

ولا يكبر حتى يفرغ المؤذن من الإقامة .

التالي السابق


(الخامسة : أن لا يكبر الإمام حتى تستوي) ، ولفظ القوت : تعتدل (الصفوف) ، ورآه (فليلتفت يمينا ، وشمالا ، فإن رأى خللا) فيها ، أو اعوجاجا (أمر بالتسوية) قائلا : سووا صفوفكم يرحمكم الله تعالى ، ولفظ القوت : فإن رأى اعوجاجا أشار بيده ، وإن رأى خللا أمر بسده ، فإن إتمام الصفوف من تمام الصلاة . أهـ .

ويجوز

[ ص: 180 ] أن يسويها غير الإمام ، ولكن الإمام أولى ، والسر في تسويتها مبالغة المتابعة ، وقد أخرج أحمد ، والشيخان ، وأبو داود ، وابن ماجه من حديث أنس ، واللفظ للبخاري : سووا صفوفكم ، فإن تسوية الصف من إقامة الصلاة ، وقد أخذ بظاهره ابن حزم ، فأوجب التسوية ؛ لأن الإقامة واجبة ، وكل شيء من الواجب واجب ، ومنع بأن حسن الشيء زيادة على تمامه ، ولا يضره رواية : من تمام الصلاة ؛ لأن تمام الشيء عرفا أمر زائد على حقيقته غالبا .

وأخرج الدارمي في مسنده من حديث النعمان بن بشير : لتسون صفوفكم ، أو ليخالفن الله بين قلوبكم ، وفي رواية للبخاري : بين وجوهكم ، وعند أحمد من حديث أبي أمامة : لتسون صفوفكم ، أو لتطمسن الوجوه ، وفي الباب أحاديث كثيرة .

(قيل : كانوا يتحاذون بالمناكب) ، أي : يجعل كل واحد منكبه حذاء منكب أخيه (ويتضامون بالكعاب) جمع كعب ، وهو العظم الناتئ عند ملتقى الساق والقدم ، ولكل قدم كعبان عن يمنتها ويسرتها ، صرح به الأزهري ، وغيره من أئمة اللغة ، وهو كعب الوضوء لا كعب الإحرام ، ولفظ القوت : وكان السلف يتحاذون بين المناكب ، ويتضامون بالكعاب . أهـ .

وهذا ما لم يؤذ جاره ، وروى مسلم من حديث جابر بن سمرة ، خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : "ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها ؟ قلنا : وكيف تصف عند ربها ؟ قال : يتمون الصفوف الأول ، ويتراصون في الصف " ، والمطلوب من تسويتها محبة الله لعباده (ولا يكبر) ، أي : لا يقول الإمام : الله أكبر (حتى يفرغ المؤذن من الإقامة) ، وفي عقيبها يأتي بالتكبير ، وهو المذهب عنده ، ومذهبنا يكبر عند قول المقيم : قد قامت الصلاة .

وفي القوت : وليأخذ في الصلاة مكبرا إذا قال المؤذن : قد قامت الصلاة ، ويكون الناس قد قاموا إذ قال المؤذن : حي على الصلاة قام الناس للدعوة ، فإذا قال : قد قامت الصلاة كبر الإمام ، أي : قد قام الناس للصلاة ، أو قد قام المصلون ؛ لأن الصلاة لا تقوم إذا قاموا عند قوله : قد قامت الصلاة ، ولم يكن المؤذن قد كذب في قوله ، وإن كان جائزا على المجاز لقرب الوقت وظهور سبب القيام ؛ ولذلك كره أن يكون الإمام مؤذنا ؛ لأنه حينئذ يحتاج أن يكبر ، ويدخل الناس في قوله : قد قامت الصلاة ؛ ولذلك جاء عن السلف من السنة أن يكون الأذان في المنارة ، والإقامة في المسجد ليقرب على المؤذن الدخول في الصلاة . أهـ .



(تنبيه)

اختلفوا في المأموم متى ينبغي أن يقوم إلى الصلاة إذا كان في المسجد ينتظر الصلاة ، فمن قائل في أول الإقامة ، ومن قائل عند قوله : حي على الصلاة ، ومن قائل : عند قوله : حي على الفلاح ، ومن قائل : حتى يرى الإمام ، ومن قائل : لا توقيت في ذلك ، وقد ورد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تقوموا حتى تروني ، فإن صح هذا الحديث وجب العمل به ، ولا يعدل عنه ، وقالت مشايخنا أهل الفقه : إن الظاهر في ذلك يقوم عند الحيعلتين ، ويكبر الإمام عند لفظ الإقامة ، ومشايخنا أهل الكشف الباطن يقولون : عليه المسارعة في أول الإقامة ، والحديث المذكور ، فإن حكم النبي في هذه المسألة بانتظارنا إليه ، ولا نقوم حتى نراه ، كما أمر ما هو كحالنا اليوم ، فإن زمان وجود النبي كان الأمر جائزا أن ينسخ ، وأن يتجدد حكم آخر ، فكان ينبغي أن لا يقوموا لقول المؤذن حتى يروا النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى الصلاة فيعلمون عند ذلك أنه ما حدث أمر يرفع حكم ما دعوا إليه بخلاف اليوم ، فإن حكم القيام إلى الصلاة باق ، فيقوم إذا سمع المؤذن يقيم مسارعا . والله أعلم .




الخدمات العلمية