الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والأخبار فيه متعارضة ، واختيار الشافعي رضي الله عنه الجهر .

التالي السابق


(والأخبار فيها) هل يجهر بها أم لا (متعارضة ، واختيار الشافعي - رضي الله عنه - الجهر) .

قلت : قد أفرد هذه المسألة بالتصنيف جماعة منهم : ابن خزيمة ، وابن حبان ، والدارقطني ، والبيهقي ، وابن عبد البر ، والخطيب البغدادي ، وآخرون ، وقد أذكر هنا أحاديث الطرفين ، والآثار الواردة عن الصحابة ، ومن بعدهم ، مقدما أحاديث الجهر ؛ مراعاة لمذهب المصنف ، مع الكلام على كل حديث وأثر مما اقتضاه المقام مع كمال إنصاف ، وعدم تعصب ، متوكلا على الله ، معتمدا على مواهبه - جل جلاله - ، ومع ذلك ، فلكل وجهة ، ولكل نصيب فيما اجتهد فيه ، فأقول : للقائلين بالجهر تسعة أحاديث ، وخمسة آثار . أما الأحاديث ، فأولها ، وهو أجودها حديث أبي هريرة ، أخرجه البيهقي في السنن من طريق حيوة بن شريح ، والليث ، واللفظ له ، حدثنا خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن نعيم المجمر قال : صليت وراء أبي هريرة ، فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ، ثم قرأ بأم القرآن ، وقال : آمين ، وقال الناس : آمين ، ويقول كلما سجد الله أكبر ، وإذا قام من الجلوس قال : الله أكبر ، ويقول إذا سلم ، والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقال : إسناده صحيح ، وله شواهد ، وقال في الخلافيات : رواته كلهم ثقات ، مجمع على عدالتهم ، محتج بهم في الصحيح ، وأخرجه النسائي في سننه ، فقال : باب الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، أخبرنا شعيب ، أخبرنا الليث بن سعد ، فذكره ، ورواه ابن خزيمة في صحيحه ، وابن حبان في صحيحه ، والحاكم في مستدركه ، وقال : إنه على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ، والدارقطني في سننه ، وقال : حديث صحيح ، ورواته كلهم ثقات ، والجواب عنه من وجوه : أحدها : إنه حديث معلول ، فإن ذكر البسملة فيه مما تفرد به نعيم المجمر من بين أصحاب أبي هريرة ، وهم ثمانمائة ما بين صاحب ، وتابع ، ولا يثبت عن ثقة من أصحاب أبي هريرة أنه حدث عن أبي هريرة أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر بالبسملة في الصلاة ، وقد أعرض عن ذكر البسملة صاحبا

[ ص: 184 ] الصحيح ، فرواه البخاري من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن ، أن أبا هريرة كان يكبر في كل صلاة من المكتوبة ، وغيرها ، فيكبر حين يقوم ، ثم يكبر حين يركع ، ثم يقول : سمع الله لمن حمده ، ثم يقول : ربنا لك الحمد ، ثم يقول : الله أكبر حين يهوي ساجدا ، ثم يكبر حين يرفع رأسه من السجود ، ثم يكبر حين يسجد ، ثم يكبر حين يرفع رأسه من السجود ، ثم يكبر حين يقوم من الجلوس في الاثنتين ، وذلك في كل ركعة حتى يفرغ من الصلاة ، ثم يقول : حين ينصرف ، والذي نفسي بيده إني لأقربكم شبها بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن كانت هذه لصلاته حتى فارق الدنيا ، ورواه مسلم بنحو ذلك . هذا هو الصحيح الثابت عن أبي هريرة .

قال ابن عبد البر : وكأنه كان ينكر على من ترك التكبير في رفعه ، وخفضه . قال : ويدل على أنهم كانوا يفعلون ذلك ما رواه النسائي من طريق ابن أبي ذئب ، عن سعيد بن سمعان ، عن أبي هريرة أنه قال : ثلاث كان يفعلهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تركهن الناس : كان إذا قام إلى الصلاة رفع يديه مدا ، وكان يقف قبل القراءة هنيهة ، وكان يكبر في كل خفض ، ورفع . ورواه ابن أبي ذنب في موطئه كذلك باللفظ المذكور ، ورواه البخاري في القراءة خلف الإمام ، وأبو داود الطيالسي في مسنده ، وهذا حديث حسن ، ورواته ثقات ، وسعيد بن سمعان الأنصاري صدوق وثقه النسائي ، وابن حبان ، وليس للتسمية في هذا الحديث ، ولا في الأحاديث الصحيحة عن أبي هريرة ذكر ، وهذا مما يغلب على الظن أنه وهم على أبي هريرة ، فإن قبل قد رواها نعيم المجمر ، وهو ثقة ، والزيادة من الثقة مقبولة ، قلنا : ليس ذلك مجمعا عليه ؛ بل فيه خلاف مشهور ، فمن الناس من يقبل زيادة الثقة مطلقا ، ومنهم من لا يقبلها ، والصحيح التفصيل ، وهو أنها تقبل في موضع دون موضع ، فتقبل إذا كان الراوي لها ثقة حافظا ثبتا ، والذي لم يذكرها مثله ، أو دونه في الثقة ، ولا تقبل في موضع آخر لقرائن تخصها ، ومن حكم في ذلك حكما عاما ، فقد غلط ؛ بل كل زيادة لها حكم يخصها ، ففي موضع يجزم بصحتها ، وفي موضع يغلب على الظن صحتها ، وفي موضع يتوقف فيها ، وزيادة نعيم المجمر التسمية في هذا الحديث مما يتوقف فيه ؛ بل يغلب على الظن ضعفه ، وعلى تقدير صحتها ، فلا حجة فيها للقائل بالجهر ؛ لأنه قال : فقرأ ، أو فقال : بسم الله الرحمن الرحيم ، وذلك أعم من قراءتها سرا ، أو جهرا ، وإنما هو حجة على من لا يرى قراءتها ، فإن قيل : لو كان أبو هريرة أسر بالبسملة ، وجهر بالفاتحة لم يعبر عن ذلك نعيم بعبارة واحدة متناولة للفاتحة ، والبسملة تناولا واحدا ، ولقال : فأسر بالبسملة ، ثم جهر بالفاتحة ، والصلاة كانت جهرية بدليل تأمينه ، وتأمين المأمومين . قلنا : ليس الجهر فيه بصريح ، ولا ظاهر يوجب الحجة ، ومثل هذا لا يقدم على النص الصريح المقتضي للإسرار ، ولو أخذ الجهر من هذا الإطلاق لأخذ منه أنها ليست آية من أم القرآن ، فإنه قال : فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ، ثم قرأ أم القرآن ، والعطف يقتضي المغايرة .

الوجه الثاني أن قوله : فقرأ ، أو قال : ليس بصريح أنه سمعها منه ؛ إذ يجوز أن يكون أبو هريرة أخبر نعيما بأنه قرأها سرا ، أو يجوز أن يكون سمعها منه في مخافتته لقربه منه ، كما روي عنه من أنواع الاستفتاح ، وألفاظ الذكر في قيامه ، وقعوده ، وركوعه ، وسجوده ، وقد روى مسلم في الصحيح ، عن علي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : إذا قام في الصلاة : وجهت وجهي . . . الحديث ، ولم يكن سماع الصحابة ذلك منه دليلا على الجهر ، وكذا قوله : وكان يسمعنا الآية أحيانا .

الوجه الثالث : إن قوله : إني لأشبهكم صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما أراد به أصل الصلاة ، ومقاديرها ، وهيئاتها ، وتشبيه الشيء بالشيء لا يقتضي أن يكون مثله من كل وجه ؛ بل يكفي في غالب الأفعال ، وذلك متحقق في التكبير ، وغيره دون البسملة ، فإن التكبير ، وغيره من أفعال الصلاة ثابت صحيح عن أبي هريرة ، وكان مقصوده الرد على من تركه . أما التسمية ، ففي صحتها عنه نظر ، فينصرف إلى الصحيح الثابت دون غيره ، وكيف يظن بأبي هريرة أنه يريد التشبيه في الجهر بالبسملة ، وهو الراوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يقول الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين . . . الحديث ، وقد سبق ذكره ، وأنه أخرجه مسلم في صحيحه ، عن سفيان ، ومالك ، وابن جريج ، كلهم عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ،

[ ص: 185 ] وأبي السائب ، كلاهما عنه ، فهو ظاهر في أن البسملة ليست من الفاتحة ، وإلا لابتدأ بها ؛ لأن هذا محل بيان ، واستقصاء لآيات السورة حتى أنه لم يخل منها بحرف ، والحاجة إلى قراءة البسملة أمس ليرتفع الإشكال .

قال ابن عبد البر : حديث العلاء هذا قاطع تعلق المتنازعين ، وهو نص لا يحتمل التأويل ، ولا أعلم حديثا في سقوط البسملة أبين منه ، واعترض بعض المتأخرين على هذا الحديث بأمرين : أحدهما : قال : لا تغتر بكون هذا الحديث في مسلم ، فإن العلاء بن عبد الرحمن تكلم فيه ابن معين ، فقال : الناس يتقون حديثه ، ليس حديثه بحجة ، مضطرب الحديث ، ليس بذاك ، هو ضعيف ، روي عنه جميع هذه الألفاظ ، وقال ابن عدي : ليس بالقوي ، وقد انفرد بهذا الحديث ، فلا يحتج به .

الثاني : قال : وعلى تقدير صحته ، فقد جاء في بعض الروايات عنه ذكر التسمية ، كما أخرجه الدارقطني ، عن عبد الله بن يزيد بن سمعان ، عن العلاء ، فذكره ، وهذه الرواية وإن كان فيها ضعف ، ولكنها مفسرة لحديث مسلم أنه أراد السورة لا الآية ، وهذا القائل حمله الجهل ، وفرط التعصب على أن ترك الحديث الصحيح ، وضعفه لكونه غير موافق لمذهبه ، وقال : لا تغتر بكونه في مسلم مع أنه قد رواه عن العلاء الأئمة الثقات كمالك وأضرابه ممن تقدم ذكرهم آنفا عند ذكر المصنف لهذا الحديث ، ولم يذكروا هذه الزيادة ، والعلاء نفسه ثقة صدوق من رجال الصحيحين ، وهذه الرواية مما انفرد بها ابن سمعان ، وهو كذاب ، ولم يخرجها أحد من أصحاب الكتب الستة ، ولا في المصنفات المشهورة ، ولا المسانيد المعروفة ، وإنما رواه الدارقطني في سننه ، وفي كتاب العلل ، مع أنه نبه في كل منهما على حال ابن سمعان بأنه متروك ضعيف ، وحسبك بالأول قد أودعه مسلم في صحيحه ، وزيادة ابن سمعان باطلة قطعا ، زادها خطأ ، أو عمدا ، فإنه متهم بالكذب ، مجمع على ضعفه ، ومن هنا يظهر أن ما أورده الشهاب السهروردي من طريق آدم بن أبي إياس ، عن العلاء بمثل زيادة ابن سمعان ينظر فيه إن لم تختلط رواية برواية ، فإنهم أجمعوا على أن أصحاب العلاء لم يذكر أحد هذه الزيادة في حديث أبي هريرة ، ولو كانت رواية آدم ثابتة عندهم ما احتاجوا إلى الاستدلال برواية ابن سمعان ، فكيف يعل الحديث الصحيح الذي رواه مسلم بالحديث الضعيف الذي رواه الدارقطني ، وهلا جعلوا الحديث الصحيح علة للضعيف ، ومخالفة أصحاب أبي هريرة الثقات لنعيم موجبا لرده ؛ إذ مقتضى العلم أن يعل الحديث الضعيف بالحديث الصحيح . والله أعلم .



(تنبيه) :

رواية العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة رواها ابن عيينة ، وتابعه شعبة ، وروح بن القاسم ، والدراوردي ، وإسماعيل بن جعفر ، وجماعة ، ورواية العلاء ، عن أبي السائب ، عن أبي هريرة رواها مالك ، وتابعه ابن جريج ، وابن إسحاق ، والوليد بن كثير ، وقد جمع مسلم بين الروايتين جمعا وإفرادا ، وليس هذا الاختلاف علة ، فإن العلاء سمعه من أبيه ، ومن أبي السائب ؛ ولهذا يجمعهما مسلم تارة ، وتارة يفرد أباه ، وتارة يفرد أبا السائب . والله أعلم .

ولأبي هريرة حديث آخر أخرجه الخطيب في الجزء الذي صنفه في هذه المسألة ، فساق من طريق أبي أويس المدني ، واسمه عبد الله بن أويس قال : أخبرني العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أم الناس جهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، ورواه الدارقطني في السنن ، وابن عدي في الكامل ، فقالا فيه قرأ بدل جهر ، وكأنه رواه بالمعنى ، والجواب : لو ثبت هذا عن أبي أويس ، فهو غير محتج به ؛ لأن أبا أويس لا يحتج بما انفرد به ، فكيف إذا انفرد بشيء ، وخالفه فيه من هو أوثق منه ؟ مع أنه تكلم فيه ، فوثقه جماعة ، وضعفه آخرون ، وممن ضعفه أحمد بن حنبل ، وابن معين ، وأبو حاتم الرازي ، وممن وثقه الدارقطني ، وأبو زرعة ، وروى له مسلم في صحيحه ، ومجرد الكلام في الرجل لا يسقط حديثه ، ولو اعتبرنا ذلك لذهب معظم السنة ؛ إذ لم يسلم من كلام الناس إلا من عصمه الله تعالى ؛ بل خرج في الصحيح لخلق ممن تكلم فيهم ، ولكن صاحبا الصحيح إذا أخرجا لمن تكلم فيه ، فإنهم ينتقون من حديثه ما توبع عليه ، وظهرت شواهده ، وعلم أن له أصلا ، ولا يروون ما تفرد به ، سيما إذا خالفه الثقات ، وهذه العلة راجت على كثير من الناس ممن استدرك على الصحيحين ، فتساهلوا في استدراكهم ؛ إذ لا يلزم من كون الراوي محتجا به في الصحيح أنه إذا وجد

[ ص: 186 ] في أي حديث كان يكون ذلك الحديث على شرطه ، وقد يوجد في الصحيح رجل روى عن معين لضبطه حديثه ، وخصوصيته به ، ولم يخرجا حديثه عن غيره لضعفه فيه ، أو لعدم ضبطه لحديثه ، أو لكونه غير مشهور عنه ، فيجيء المستدرك فيخرجه عن غير ذلك المعين ، ثم يقول : هذا على شرط الشيخين ، أو أحدهما ، وهذا فيه تساهل كبير ينبغي التنبه لذلك ، فحديث أبي أويس هذا لم يترك لكلام الناس فيه ؛ بل لتفرده به ، ومخالفة الثقات له ، وعدم إخراج أصحاب المسانيد ، والكتب المشهورة ، والسنن المعروفة ، ولرواية مسلم الحديث في صحيحه من طريقه ، وليس فيه ذكر البسملة . والله أعلم .

ولأبي هريرة حديث آخر أخرجه الدارقطني ، عن خالد بن إلياس ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : علمني جبريل الصلاة ، فقام ، فكبر لنا ، ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم فيما يجهر به في كل ركعة ، والجواب هذا الإسناد ساقط ، فإن خالد بن إلياس ، ويقال : فيه ابن إياس مجمع على ضعفه ؛ بل منكر الحديث متروكه ، كما قاله أحمد ، والنسائي ، وقال الحاكم : روي عن سعيد المقبري ، وابن المنكدر ، وهشام بن عروة أحاديث موضوعة ، والصواب في هذا الحديث وقفه ، وهكذا رواه نوح بن أبي مريم ، عن المقبري ، كما بينه الدارقطني في العلل ، ولئن سلم ، فليس فيه دلالة على الجهر ، ونحن لا ننكر أنها من القرآن ، وإنما النزاع في الجهر بها ، ومجرد قراءته - صلى الله عليه وسلم - إياها قبل الفاتحة لا يدل على ذلك ، وأيضا ، فالمحفوظ الثابت عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة في هذا الحديث عدم ذكر البسملة ، كما رواه البخاري في صحيحه من حديث ابن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة رفعه : الحمد لله هي أم القرآن ، وهي السبع المثاني ، والقرآن العظيم ، ورواه أبو داود ، والترمذي ، وقال : حسن صحيح .

ولأبي هريرة حديث آخر أخرجه البيهقي في السنن من طريق عقبة بن مكرم ، حدثنا يونس بن بكير ، عن أبي معشر ، عن محمد بن قيس ، عن أبي هريرة قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجهر في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم ، فترك الناس ذلك هذا هو الصواب ، ووهم من قال : مسعر بدل أبي معشر ، والجواب على تقدير ثبوت هذا الحديث من رواية أبي معشر ، كما قال : إنه الصواب ، فقد قال الذهبي في مختصره : أبو معشر ضعيف ، واسمه نجيح السندي ، وقد ضعفه البيهقي في غير موضع من كتابه ، وكان القطان لا يحدث عنه .



الحديث الثاني لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ، وله ثلاث طرق ؛ أحدها : رواه الحاكم في المستدرك ، عن سعيد بن عثمان ، حدثنا عبد الرحمن بن سعد المؤذن ، حدثنا قطر بن خليفة ، عن أبي الطفيل ، عن علي ، وعمار أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر في المكتوبات ببسم الله الرحمن الرحيم ، وقال : صحيح الإسناد ، لا أعلم في رواته منسوبا إلى الجرح ، والجواب : قال الذهبي في مختصره : هذا خبر واه كأنه موضوع ؛ لأن عبد الرحمن صاحب مناكير ، ضعفه ابن معين ، وسعيد بن عثمان مجهول ، وإن كان هو الكريري ، فهو ضعيف . أهـ . وعن الحاكم رواه البيهقي في المعرفة بسنده ، ومتنه ، وقال : إسناده ضعيف . أهـ . وقال ابن عبد الهادي : هذا حديث باطل ، ولعله أدخل على الحاكم .

الثاني : رواه الدارقطني في سننه ، عن أسيد بن زيد ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي الطفيل ، عن علي ، وعمار نحوه ، والجواب أن : عمرو بن شمر ، وجابرا الجعفيين لا يحتج بهما ، قال البخاري : عمرو بن شمر منكر الحديث ، وقال النسائي ، والدارقطني ، والأزدي : متروك الحديث ، وقال الحاكم : كثير الموضوعات ، وقال الجوزجاني : زائغ كذاب ، وأما جابر الجعفي ، فقال : فيه أبو حنيفة ما رأيت أكذب منه ، وأسيد بن زيد كذبه ابن معين ، وتركه النسائي .

الثالث : رواه الدارقطني أيضا عن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب العلوي ، عن أبيه ، عن جده علي قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في السورتين جميعا ، والجواب أن عيسى هذا متهم بوضع الحديث ، وقال ابن حبان ، والحاكم : روى عن آبائه أحاديث موضوعة لا يحل الاحتجاج به .



الحديث الثالث لابن عباس - رضي الله عنه - له أربع طرق ، أحدها : عند الحاكم في المستدرك ، عن عبد الله بن عمر بن حسان ، حدثنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم . قال الحاكم :

[ ص: 187 ] إسناده صحيح ، وليس له علة ، قد احتج البخاري بسالم هذا ، وهو ابن عجلان الأفطس ، واحتج مسلم بشريك . أهـ .

والجواب : هذا الحديث غير صريح ، ولا صحيح ، فأما كونه غير صريح ، فإنه ليس فيه أنه في الصلاة ، وأما كونه غير صحيح ، فإن عبد الله بن عمرو بن حسان الواقفي كان يضع الحديث . قاله ابن المديني ، وقال ابن عدي : أحاديثه مقلوبات ، وقال ابن أبي حاتم : سألت أبي عنه ، فقال : ليس بشيء ، كان يكذب ، وقول الحاكم احتج مسلم بشريك فيه نظر ، فإنه إنما روى له في المتابعات لا في الأصول .

الثاني : عند الدارقطني ، عن أبي الصلت الهروي ، حدثنا عباد بن العوام ، حدثنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير ، عنه قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجهر في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم ، والجواب : إن هذا أضعف من الأول ، فإن أبا الصلت عبد السلام بن صالح الهروي متروك . قال أبو حاتم : ليس عندي بصدوق ، وضرب أبو زرعة على حديثه ، وقال : لا أرضاه ، وقال الدارقطني : رافضي خبيث متهم ، وقد خالفه غيره ، فرواه عن عباد فأرسله ، وليس فيه أنه في الصلاة . أخرجه أبو داود .

وفي المراسيل : حدثنا عباد بن موسى ، حدثنا عباد بن العوام ، عن شريك ، عن سالم ، فساقه . الثالث : أخرجه البيهقي من طريق إسحاق بن راهويه ، أخبرنا المعتمر بن سليمان ، سمعت إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان يحدث عن أبي خالد ، عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة ، يعني كان يجهر بها . رواه يحيى بن معين ، عن المعتمر ، ولفظه : كان يستفتح القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم ، وله شواهد ذكرتها في الخلافيات . أهـ .

والجواب : أولا : إن إسماعيل بن حماد لم يكن بالقوي في الحديث . قال البزار بعد أن أخرج هذا الحديث في مسنده من طريقه : ورواه العقيلي ، وأعله بإسماعيل هذا ، وقال : حديثه غير محفوظ ، وقال : أبو خالد مجهول . قاله ابن عدي ، وسئل عنه أبو زرعة ، فقال : لا أعرفه ، ولا أدري من هو .

قلت : ولكن البزار قال فيه : أحسبه الوالي ، فإن كان كما حسب فاسمه هرمز ، وهو ثقة ذكره ابن حبان في الثقات ، ولا أخاله يخفى على أبي زرعة ، حيث قال : لا أعرفه .

وثانيا : هذا التفسير الذي ذكره ليس من قول ابن عباس ، وإنما هو من قول غيره من الرواة ، وهو حديث لا يحتج به على كل حال .

الرابع : أخرج الدارقطني ، من طريق عمر بن حفص المكي ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يزل يجهر في السورتين ببسم الله الرحمن الرحيم حتى قبض ، والجواب : إن هذا لا يجوز الاحتجاج به ، فإن عمر بن حفص ضعيف .

قال ابن الجوزي في التحقيق : أجمعوا على ترك حديثه ، وضعفه البيهقي أيضا في غير موضع من السنن ، وأنه لا يحتج به ، وقال ابن عبد الهادي : يجاب عن حديث ابن عباس من وجوه :

أحدها : الطعن في صحته ، فإن مثل هذه الأسانيد لا تقوم بها حجة ، فلو سلمت من المعارض ، فكيف وقد عارضتها الأحاديث الصحيحة ، وصحة الإسناد تتوقف على ثقة الرجال ، ولو فرض ثقة الرجال لم يلزم منه صحة الحديث حتى ينتفي عند الشذوذ .

والعلة الثانية أن المشهور في لفظه الاستفتاح لا لفظ الجهر .

الثالث : إن قوله جهر إنما يدل على وقوعه مرة ؛ لأن كان يدل على وقوع الفعل ، وأما استمراره فيفتقر إلى دليل من خارج ما روي أنه لم يزل يجهر بها فباطل ، كما سيأتي .

الرابع : إنه روي عن ابن عباس ما يعارض ذلك ؛ قال : الإمام أحمد ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عبد الملك بن أبي بشير ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم قراءة الأعراب ، وكذلك رواه الطحاوي .

قلت : وكذلك رواه ابن عبد البر في الاستذكار ، ثم قال : يقويه ما رواه أبا الأثرم بسنده إلى عكرمة . قال : أنا أعرابي إن جهرت ببسم الله الرحمن الرحيم . والله أعلم .



الحديث الرابع لابن عمر - رضي الله عنه - قال الدارقطني : حدثنا عمر بن الحسن بن علي الشيباني ، حدثنا جعفر بن محمد بن مروان ، حدثنا أبو طاهر أحمد بن عيسى ، حدثنا ابن أبي فديك ، عن ابن أبي ذئب ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأبي بكر ، وعمر ، فكانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم ، والجواب : إن هذا باطل من هذا الوجه ؛ لم يحدث به ابن أبي فديك قط ، والمتهم به أحمد بن عيسى العلوي المتقدم ذكره ، وقد كذبه الدارقطني نفسه ، وابن أبي فديك بريء مما نسب إليه ، وشيخ الدارقطني ضعيف أيضا ،

[ ص: 188 ] تكلم فيه الدارقطني نفسه ، وشيخه جعفر بن محمد بن مروان لا يحتج به .



الحديث الخامس للنعمان بن بشير - رضي الله عنه - ، وأخرجه الدارقطني في سننه ، عن يعقوب بن يوسف بن زياد الضبي ، حدثنا أحمد بن حماد الهمداني ، عن قطر بن خليفة ، عن أبي الضحى ، عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أمني جبريل عند الكعبة ، فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، والجواب : هذا حديث منكر ؛ بل موضوع ، ويعقوب بن يوسف الضبي ليس له ذكر في الكتب المشهورة المصنفة في الرجال ، ويحتمل أن يكون هذا الحديث من وضعه ، وأحمد بن حماد ضعفه الدارقطني ، وسكوت الدارقطني ، والخطيب ، وغيرهما من الحفاظ عن مثل هذا الحديث بعد روايتهم له قبيح جدا ، ولم يتعلق ابن الجوزي إلا بقطر بن خليفة ، وهو تقصير منه ، وكأنه اعتمد على قول السعدي فيه هو زائغ غير ثقة ، وليس هذا بطائل ، فإن قطر بن خليفة روى له البخاري في صحيحه ، ووثقه أحمد ، والقطان ، وابن معين . والله أعلم .



الحديث السادس للحكم بن عمير - رضي الله عنه . قال الدارقطني : حدثنا أبو الشيخ الحسين بن محمد بن بشر الكوفي ، حدثنا أحمد ، عن موسى بن إسحاق ، حدثنا إبراهيم بن حبيب ، حدثنا موسى بن أبي خبيب الطائفي ، عن الحكم بن عمير ، وكان بدريا قال : صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاة الليل ، وصلاة الغداة ، وصلاة الجمعة ، والجواب : هذا الحديث باطل من وجوه : أحدها : إن الحكم بن عمير ليس بدريا ، ولا في البدريين أحد اسمه كذلك ؛ بل لا تعرف له صحبة ، فإن موسى بن أبي حبيب الراوي عنه لم يلق صحابيا ؛ بل هو مجهول لا يحتج بحديثه ، ولعل الصواب ، وكان بدويا ، أي : ينزل البادية ، فوقع التصحيف ، فقال ابن أبي حاتم في كتاب الجرح والتعديل : الحكم بن عمير روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث منكرة لا يذكر سماعا ، ولا لقاء روى عنه ابن أخيه موسى بن أبي حبيب ، وهو ضعيف الحديث ، سمعت أبي يذكر ذلك ، وقال الدارقطني : موسى بن أبي حبيب شيخ ضعيف الحديث ، وقد ذكر الطبراني في معجمه الكبير الحكم بن عمير ، وقال : في نسبته الثمالي . روى له بضعة عشر حديثا منكرا ، وكلها من رواية موسى بن أبي حبيب عنه ، وروى له ابن عدي في الكامل قريبا من عشرين حديثا منكرا ، ولم يذكر فيها هذا الحديث ، والراوي عن موسى إبراهيم بن إسحاق الكوفي .

قال الدارقطني : متروك الحديث ، وقال الأزدي : يتكلمون فيه ، ويحتمل أن يكون هذا الحديث صنعته ، فإن الذين رووا نسخة موسى ، عن الحكم لم يذكروا هذا الحديث فيها كبقي بن مخلد ، وابن عدي ، والطبراني ، وإنما رواه فيما علمنا الدارقطني ، ثم الخطيب ، ووهم الدارقطني ، فقال : إبراهيم بن حبيب ، وإنما هو إبراهيم بن إسحاق ، وزادوهما ، فقال : الضبي بالضاد ، والباء ، وإنما هو الصيني بصاد مهملة ، ونون . والله أعلم .



الحديث السابع لأم سلمة - رضي الله عنها - . رواه الحاكم في المستدرك ، عن عمر بن هارون ، عن ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، عن أم سلمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ في الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم ، فعدها آية الحمد لله رب العالمين آيتين الرحمن الرحيم ثلاث آيات . . . إلخ . قال الحاكم : وعمر بن هارون أصل في السنة ، وإنما أخرجه شاهدا ، والجواب : إن هذا ليس بحجة لوجوه :

أحدها : إنه ليس بصريح في الجهر ، ويمكن أنها سمعته سرا في بيتها لقربها منه .

الثاني : إن مقصودها الإخبار بأنه كان يرتل قراءته ، ولا يسردها ، وقد رواه الحاكم نفسه من حديث همام ، عن ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، عن أم سلمة قالت : كانت قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - مرتلة ، فوصفت بسم الله الرحمن الرحيم حرفا حرفا قراءة بطيئة ، ورواه أبو داود ، والترمذي ، والنسائي من حديث يعلى بن مملك أنه سأل أم سلمة ، عن قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإذا هي تنعت قراءة مفسرة حرفا حرفا .

الثالث : إن المحفوظ فيه ، والمشهور أنه ليس في الصلاة ، وإنما قوله في الصلاة زيادة من عمر بن هارون ، وهو مجروح تكلم فيه غير واحد من الأئمة .

قال أحمد : لا أدري عنه شيئا ، وقال ابن معين : ليس بشيء ، وكذبه ابن المبارك ، وقال النسائي : متروك الحديث ، وقال صالح جرزة : كان كذابا ، وقد رواه أبو جعفر الطحاوي من حديث حفص بن غياث ، حدثنا أبي ، عن ابن جريج به بمثل حديث عمر بن هارون

[ ص: 189 ] ثم أخرجه عن ابن أبي مليكة به بلفظ السنن ، ثم قال : فقد اختلف الذين رووا له في لفظه ، فانتفى أن يكون حجة ، وكأنه لم يعتد بمتابعة غياث لعمر بن هارون لشدة ضعف عمر بن هارون .

الرابع : أن يقال : غاية ما فيه أنه - صلى الله عليه وسلم - جهر بها مرة ، أو نحو ذلك ، وليس فيه دليل على أن كل إمام يجهر بها في صلاة الجهر دائما ، ولو كان ذلك معلوما عندهم لم يختلف فيه ، ولم يقع فيه شك ، ولم يحتج أحد إلى أن يسأل عنه ، ولكان من جنس جهره - عليه السلام - بغيرها ، ولما أنكره عبد الله بن مغفل ، وعده حدثا ، ولكان الرجال أعلم به من النساء . والله أعلم .



الحديث الثامن لأنس بن مالك - رضي الله عنه - رواه الحاكم في مستدركه ، والدارقطني في سننه من حديث محمد بن أبي المتوكل بن أبي السري قال : صليت خلف المعتمر بن سليمان من الصلوات ما لا أحصيها الصبح ، والمغرب ، فكان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم قبل فاتحة الكتاب ، وبعدها ، وقال المعتمر : ما آلو أن أقتدي بصلاة أبي ، وقال أبي : ما آلو أن أقتدي بصلاة أنس ، وقال أنس : ما آلو أن أقتدي بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقال الحاكم : رواته كلهم ثقات ، والجواب : هو معارض بما رواه ابن خزيمة في مختصره ، والطبراني في معجمه ، عن معتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن الحسن ، عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسر ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة ، وأبو بكر ، وعمر . أهـ .

وفي الصلاة زادها ابن خزيمة ، وله طريق آخر عند الحاكم أيضا أخرجه عن محمد بن أبي السري ، حدثنا إسماعيل بن أبي أويس ، حدثنا مالك ، عن حميد ، عن أنس قال : صليت خلف الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، فكلهم كانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم .

قال الحاكم : وإنما ذكرته شاهدا قال الدهري في مختصره : أما استحى الحاكم أن يورد في كتابه مثل هذا الحديث الموضوع فأنا أشهد بالله أنه الكذب ، وقال ابن عبد الهادي : سقط منه لأوله طريق آخر عند الخطيب ، عن ابن أبي داود ، عن ابن أخي ابن وهب ، عن عمه ، عن النميري ، عن مالك ، وابن عيينة ، عن حميد ، عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الفريضة .

قال ابن عبد الهادي : سقط منه لا ، كما رواه الباغندي ، وغيره ، عن ابن أخي وهب . أهـ .

فصار هذا الذي رواه الخطيب خطأ على خطأ ، والصواب فيه عدم الرفع ، وعدم الجهر . والله أعلم .



الحديث التاسع : وهو موقوف ، ولكنه في حكم المرفوع ، أخرجه الحاكم في المستدرك ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم أن أبا بكر بن حفص بن عمر أخبره أن أنس بن مالك قال : صلى معاوية بالمدينة صلاة ، فجهر فيها بالقراءة ، فبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم لأم القرآن ، ولم يقرأ بها السورة التي بعدها حتى قضى تلك القراءة ، ولم يكبر حين يهوي حتى قضى تلك الصلاة ، فلما سلم ناداه من سمع ذلك من المهاجرين ، والأنصار يا معاوية أسرقت الصلاة أم نسيت ؟ أين بسم الله الرحمن الرحيم ؟ وأين التكبير إذا خفضت ، وإذا رفعت ؟ فلما صلى بعد ذلك قرأ بسم الله الرحمن الرحيم للسورة التي بعد أم القرآن ، وكبر حين يهوي ساجدا . أهـ .

قال الحاكم : صحيح على شرط مسلم ، ورواه الدارقطني ، فقال : رواته كلهم ثقات اعتمد الشافعي رحمه الله على حديث معاوية هذا في إثبات الجهر ، وقال الخطيب : هو أجود ما يعتمد عليه في هذا الباب ، والجواب عنه من وجوه : أحدها : أن مداره على عبد الله بن عثمان بن خثيم ، هو وإن كان من رجال مسلم مختلف فيه ، فلا يقبل ما تفرد به ، مع أنه قد اضطرب في إسناده ، ومتنه ، وهو أيضا من أسباب الضعف . أما في إسناده ، فإن ابن خثيم تارة يرويه عن أبي بكر بن حفص ، عن أنس ، وتارة يرويه عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة ، عن أبيه ، وقد رجح الأولى البيهقي في كتاب المعرفة لجلالة راويها ، وهو ابن جريج ، ومال الشافعي إلى ترجيح الثانية ، ورواه ابن خثيم ، عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة ، عن أبيه ، عن جده ، فزاد ذكر الجد . كذلك رواه إسماعيل بن عياش ، وهي عند الدارقطني ، والأولى عنده ، وعند الحاكم ، والثانية عند الشافعي ، وأما الاضطراب في متنه ، فتارة يقول : صلى فبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم لأم القرآن ، ولم يقرأ بها للسورة التي بعدها ، كما تقدم عند

[ ص: 190 ] الحاكم ، وتارة يقول : فلم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم حين افتتح القرآن ، وقرأ بأم الكتاب ، كما هو عند الدارقطني في رواية إسماعيل بن عباس ، وتارة يقول : فلم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم لأم القرآن ، ولا للسورة التي بعدها ، كما هو عند الدارقطني في رواية ابن جريج ، ومثل هذا الاضطراب في السند ، والمتن مما يوجب ضعف الحديث ؛ لأنه مشعر بعدم ضبط الوجه الثاني أن شرط الحديث الثابت أن لا يكون شاذا ، ولا معللا ، وهذا شاذ معلل ، فإنه مخالف لما رواه الثقات الأثبات ، عن أنس ، ومما يرد حديث معاوية هذا أن أنسا كان مقيما بالبصرة ، وأن معاوية لما قدم المدينة لم يذكر أحد فيما علمناه أن أنسا كان معه ؛ بل الظاهر أنه لم يكن معه . والله أعلم .

والوجه الثالث : أن مذهب أهل المدينة قديما ، وحديثا ترك الجهر بها ، ومنهم من لا يرى قراءتها أصلا ، ولا يحفظ من أحد عن أهل المدينة بإسناد صحيح أنه كان يجهر بها إلا شيء يسير ، وله محمل ، وهنا عملهم يتوارثه آخرهم ، عن أولهم ، فكيف ينكرون على معاوية ما هو سنتهم ؟ هذا باطل . والوجه الرابع أن معاوية لو رجع إلى الجهر بالبسملة ، كما نقلوه لكان هذا معروفا من أمره عند أهل الشام الذين صحبوه ، ولم ينقل ذلك عنهم ؛ بل الشاميون كلهم خلفاؤهم ، وعلماؤهم كان مذهبهم ترك الجهر بها ، وما روي عن عمر بن عبد العزيز من الجهر بها فباطل لا أصل له ، والأوزاعي إمام الشام ، ومذهبه في ذلك مثل مذهب مالك لا يقرؤها سرا ، ولا جهرا ، ومن المستبعد أن يكون هذا حال معاوية ، ومعلوم أن معاوية صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلو سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يجهر بالبسملة لما تركها حتى تنكر عليه رعيته أنه لا يحسن يصلي ، وهذه الوجوه من تدبرها علم أن حديث معاوية هذا باطل ، أو مغير عن وجهه ، وقد يتمهل فيه ، ويقال : إن كان هذا الإنكار على معاوية محفوظا ، فإنما هو إنكار لترك إتمام التكبير لا لترك الجهر بالبسملة ، ومعلوم أن ترك إتمام التكبير كان مذهب الخلفاء من بني أمية وأمرائهم على البلاد حتى أنه كان مذهب عمر بن عبد العزيز هو عدم التكبير حين يهوي ساجدا بعد الركوع ، وحين يسجد بعد القعود ، وإلا فلا وجه لإنكارهم عليه ترك البسملة ، وهو مذهب الخلفاء الراشدين ، وغيرهم من أكابر الصحابة ، ومذهب أهل المدينة أيضا . والله أعلم .

ثم إن البيهقي أخرج من طريق الشافعي من طريقين الأول قال فيه : أخبرنا إبراهيم بن محمد ، حدثني عبد الله بن خثيم ، عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة ، عن أبيه أن معاوية قدم المدينة . . . إلخ . الثاني : قال فيه : أخبرنا يحيى بن سليم ، عن عبد الله بن عثمان ، وإسماعيل ، عن أبيه ، عن معاوية مثله ، ثم قال الشافعي : أحسب هذا الإسناد أحفظ من الأول ، يعني به حديث ابن جريج الذي رواه الشافعي ، عن عبد المجيد بن عبد العزيز عنه ، أخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم أن أبا بكر بن حفص بن عمر أخبره أن أنس بن مالك . . . إلخ ، واختلفوا في معنى قول الشافعي : أحسب هذا الإسناد أحفظ من الأول ، فقال ابن الأثير في شرح مسند الشافعي : لأن الاثنين روياه ، عن ابن خثيم . أهـ .

قلت : هذا ليس بشيء ؛ لأن كلا منهما تكلم فيه ، فإبراهيم بن محمد الأسلمي مكشوف الحال ، وأما يحيى بن سليم الطائفي ، فقد ضعفه البيهقي نفسه في كتابه ، وقال فيه : إنه كثير الوهم سيئ الحفظ ، فكيف يكون هذا الإسناد أحفظ من إسناد ابن جريج ، مع أن ابن جريج أجل منهما ، وأحفظ ، والذي يظهر لي في معنى قوله المذكور أنه لاحظ بعض الوجوه التي أوردناها في حديث ابن جريج ، فاستبعد ذلك السياق وجعل ما رواه ابن خثيم ، عن إسماعيل أقوى ، وأحفظ ؛ إذ إسماعيل زرقي مدني أنصاري ، وأبوه عبيد بن رفاعة لم تعرف له غيبة عن المدينة ، فحين قدوم معاوية كان حاضرا ، وروى ما رواه عن مشاهدة ، بخلاف أنس بن مالك ، فإنه كان إذ ذاك بالبصرة ، فروايته إن صحت ؛ فهي مرسلة ، فتأمل ذلك . وبالجملة ، فهذه الأحاديث كلها ليس فيها صريح صحيح ؛ بل فيها عدمهما ، أو عدم أحدهما ، وكيف تكون صحيحة ، وفي رواتها الكذابون ، والضعفاء ، والمجاهيل ، وكيف يجوز أن يعارض برواية هؤلاء ما رواه الشيخان في صحيحيهما من حديث أنس الذي تلقاه الأئمة بالقبول ، ولم يضعفه أحد بحجة إلا من ركب هواه ، وحمله فرط التعصب على أن علله ، ورده باختلاف ألفاظه

[ ص: 191 ] كما سيأتي ، مع أنها ليست مختلفة ؛ بل يصدق بعضها بعضا ، ومتى وصل الأمر إلى معارضة حديثه بمثل حديث ابن عمر الموضوع ، أو بمثل حديث علي الضعيف ، فجعل الصحيح ضعيفا ، والضعيف صحيحا ، والمعلل سالما من التعليل ، والسالم من التعليل معللا سقط الكلام ، وهذا ليس بعدل ، والله يأمر بالعدل ، وما تحلى طالب العلم بأحسن من الإنصاف وترك التعصب . والله أعلم .



وأما الآثار الواردة من ذلك ، فالأول منها رواه البيهقي في الخلافيات ، والطحاوي في كتابه من حديث عمر بن ذر ، عن أبيه ، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى قال : صليت خلف عمر رضي الله عنه - ، فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، وكان أبي يجهر بها .

قلت : وهذا الأثر مخالف للصحيح الثابت عن عمر أنه كان لا يجهر بها ، وقد روى عبد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن أبيه عدم الجهر ، وروى الطحاوي بإسناده عن أبي وائل قال : عمر ، وعلي لا يجهران ببسم الله الرحمن الرحيم ، وروى الطبري في تهذيب الآثار فقال : أخبرنا أبو كريب ، أخبرنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي سعيد ، عن أبي وائل قال : لم يكن عمر ، وعلي يجهران ببسم الله الرحمن الرحيم ، ولا بآمين ، ومع ذلك فقد اختلف في هذا الأثر على عمر بن ذر .

قال البيهقي في كتاب المعرفة : رواه الطحاوي عن بكار بن قتيبة ، عن أبي أحمد ، عن عمر بن ذر ، عن أبيه ، عن سعيد ، وكذلك رواه خالد بن مخلد ، عن عمر بن ذر ، عن أبيه ، وكان ذكر أبيه سقط من كتاب البيهقي ، فإن ثبت هذا عن عمر فيحمل على أنه فعله مرة ، أو بعض أحيان لأحد الأسباب المتقدمة . والله أعلم .

الثاني : ما أخرجه الخطيب من طريق الدارقطني بسنده ، عن عثمان بن عبد الرحمن ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب أن أبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعليا كانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم .

قلت : هذا باطل ، وعثمان بن عبد الرحمن هو الوقاصي ، أجمعوا على ترك الاحتجاج به . قال ابن أبي حاتم : سألت أبي عنه فقال : كذاب ذاهب الحديث ، وقال ابن حبان : يروي عن الثقات الأشياء الموضوعات ، وقال النسائي : متروك الحديث . والله أعلم .

الثالث : ما أخرجه الخطيب أيضا عن يعقوب بن عطاء بن أبي رباح ، عن أبيه قال : صليت خلف علي بن أبي طالب ، وعدة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، كلهم يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم .

قلت : وهذا أيضا لم يثبت ، وعطاء لم يلحق عليا ، ولا صلى خلفه قط ، والحمل منه على ابنه يعقوب ، فقد ضعفه غير واحد من الأئمة ، وأما شيخ الخطيب فيه أبو الحسين الأهوازي ، فإنه كان يلقب بجراب الكذب .

الرابع : ما أخرجه الخطيب أيضا عن طريق الدارقطني ، عن الحسن بن أحمد بن عبد الواحد ، حدثنا الحسن بن الحسين ، حدثنا إبراهيم بن أبي يحيى ، عن صالح بن نبهان قال : صليت خلف أبي سعيد الخدري ، وابن عباس ، وأبي قتادة ، وأبي هريرة ، فكانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم .

قلت : وهذا أيضا لا يثبت ، والحسن بن الحسين شيعي ضعيف ، أو هو مجهول ، وإبراهيم بن أبي يحيى ، فقد رمي بالرفض ، والكذب ، وصالح بن نبهان مولى التوأمة في إدراكه للصلاة خلف أبي قتادة نظر ، وهذا الإسناد لا يجوز الاحتجاج به ، وإنما كثر الكذب في أحاديث الجهر على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأصحابه ؛ لأن الشيعة ترى الجهر ، وهم أكذب الطوائف ، فوضعوا ذلك في أحاديث ، وكان أبو علي بن أبي هريرة أحد أعيان أصحاب الشافعي يرى ترك الجهر بها كما تقدم ، ويقول : الجهر بها صار من شعائر الروافض ، وقال : غالب أحاديث الجهر تجد في رواتها من هو منسوب إلى التشيع .

الخامس ما أخرجه الخطيب أيضا عن محمد بن أبي السري ، حدثنا المعتمر ، عن حميد الطويل ، عن بكر بن عبد الله المزني قال : صليت خلف عبد الله بن الزبير ، فكان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، وقال : ما يمنع أمراؤكم أن يجهروا بها إلا الكبر .

قلت : قال ابن عبد الهادي : إسناده صحيح ، لكنه يحمل على الإعلام بأن قراءتها سنة ، فإن الخلفاء الراشدين كانوا يسرونها ، فظن كثير من الناس أن قراءتها بدعة ، فجهر بها من جهر من الصحابة ؛ ليعلموا الناس أن قراءتها سنة لا أنه فعله دائما ، وقد ذكر ابن المنذر ، عن ابن الزبير ترك الجهر . والله أعلم .



(أحاديث الإخفاء)

الصحيح الثابت منها حديث أنس ، وحديث عبد الله بن مغفل ، وحديث عائشة - رضي الله عنهم - ، أما حديث

[ ص: 192 ] أنس ، فأخرجه البخاري ، ومسلم ، وأصحاب السنن ، وغيرهم بألفاظ متقاربة يصدق بعضها بعضا ، فلفظ البخاري ، ومسلم : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأبو بكر ، وعثمان يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين ، وهذا أصح الروايات عن أنس ، رواه يزيد بن هارون ، ويحيى بن سعيد القطان ، والحسن بن موسى الأشيب ، ويحيى بن السكن ، وأبو عمر الحوضي ، وعمرو بن مرزوق ، وغيرهم ، عن شعبة ، عن قتادة ، عن أنس ، وكذلك روي عن الأعمش ، عن شعبة ، عن قتادة ، وثابت ، عن أنس ، وكذلك رواه عامة أصحاب قتادة ، عن قتادة منهم هشام الدستوائي ، وسعيد بن أبي عروبة ، وأبان بن يزيد العطار ، وحماد بن سلمة ، وحميد ، وأيوب السختياني ، والأوزاعي ، وسعيد بن بشير ، وغيرهم ، وكذلك رواه معمر ، وهمام ، واختلف عنهما في لفظه ، قال الدارقطني : وهو المحفوظ عن قتادة ، وغيره ، عن أنس ، وقد اتفق البخاري ، ومسلم على إخراج هذه الرواية لسلامتها من الاضطراب .

وفي لفظ عنه : صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، فلم أسمع أحدا منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم . رواه كذلك محمد بن جعفر ، ومعاذ بن معاذ ، وحجاج بن محمد ، ومحمد بن بكر البرساني ، وبشر بن عمر ، وقراد أبو نوح ، وآدم بن أبي إياس ، وعبيد الله بن موسى ، وأبو النضر هاشم بن القاسم ، وعلي بن الجعد ، وخالد بن زيد المرزقي ، عن شعبة ، عن قتادة ، وأكثرهم اضطربوا فيه ، فلذلك امتنع البخاري من إخراجه ، وهو من مفاريد مسلم ، ورواه النسائي ، عن شعبة ، وسعيد بن أبي عروبة معا ، عن قتادة ، عن أنس ، وفي لفظ عنه : فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم . رواه النسائي في سننه ، وأحمد في مسنده ، وابن حبان في صحيحه ، والدارقطني في السنن ، وزاد ابن حبان : ويجهرون بالحمد لله رب العالمين .

وفي لفظ عنه : فكانوا يفتتحون القراءة فيما يجهر به بالحمد لله رب العالمين . رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده ، وفي لفظ عنه : فكانوا يسرون ببسم الله الرحمن الرحيم . رواه الطبراني في معجمه ، وأبو نعيم في الحلية ، وابن خزيمة في مختصر المختصر ، والطحاوي في شرح الآثار ، ورجال هذه الروايات كلهم ثقات مخرج لهم في الصحيحين ، ولحديث أنس طرق أخرى دون ذلك في الصحة ، وفيها ما لا يحتج به ، فتركناها ، وصحح الخطيب اللفظ الأول ، وضعف ما سواه لرواته الحفاظ له ، عن قتادة ، ولمتابعة غير قتادة له ، عن أنس فيه ، وجعله اللفظ المحكم ، عن أنس وجعل غيره متشابها ، وحمله على الافتتاح بالسورة ، يعني أنهم كانوا يبدؤون بقراءة أم القرآن قبل ما يقرأ ما بعدها لا يعني أنهم يتركون بسم الله الرحمن الرحيم ، وهكذا ذكره البيهقي ، عن الشافعي بعد رواية الشافعي الحديث ، عن سفيان ، عن أيوب ، عن قتادة ، عن أنس ، وقد رده شارح العمدة بقوله : هذا ليس بقوي ؛ لأنه إن أجري مجرى الحكاية ، فهذا يقتضي البداءة بهذا اللفظ بعينه ، فلا يكون قبله غيره ؛ لأن ذلك الغير هو المفتتح به ، وإن جعل اسمها سورة الفاتحة لا تسمى بهذا المجموع أعني الحمد لله رب العالمين ؛ بل تسمى بالحمد ، فلو كان لفظ الرواية كان يفتتح بالحمد لقوي هذا ، فإنه يدل حينئذ على الافتتاح بالسورة التي البسملة بعضها عند هذا المؤول للخبر . أهـ .

وقال بعض أصحابنا : تسمية هذه السورة بسورة الحمد عرف متأخر ، ولكن قد يعكر على شارح العمدة في قوله : فسورة الفاتحة لا تسمى بهذا المجموع . . . إلخ ما أخرجه البخاري في الصحيح من حديث أبي سعيد بن المعلى قال : كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلم أجبه ، فقلت : يا رسول الله ، إني كنت أصلي ، وفيه : ثم قال لي : لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن . قلت : ما هي ؟ قال : هي الحمد لله رب العالمين ، هي السبع المثاني ، والقرآن العظيم الذي أوتيته ، فهذا يدل على أن السورة تسمى بهذا المجموع ، وإذا ثبت ذلك صح تأويل الشافعي المذكور جمعا بين الأحاديث ، وهو قوي ، ولكن يعكر على الشافعي حديث أبي سعيد بن المعلى هذا ، فإنه كما دل على إطلاق السورة على هذا المجموع دل أيضا على أن البسملة ليست من السورة ، فإنه قال : هي السبع المثاني ، فلو كانت البسملة آية منها ، كما يقوله الشافعي لكانت ثمانيا ؛ لأنها سبع آيات بدون البسملة ، ومن جعل البسملة منها إما أن يقول : هي بعض آية ، أو يجعل قوله : صراط الذين أنعمت عليهم إلى آخرها آية واحدة . والله أعلم .



الحديث الثاني عن

[ ص: 193 ] ابن عبد الله بن مغفل قال : سمعني أبي وأنا أقول بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال : أي بني إياك والحدث ، قال : ولم أر أحدا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أبغض إليه الحدث في الإسلام ؛ يعني منه . قال : وصليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومع أبي بكر ، ومع عثمان ، فلم أسمع أحدا يقولها ، فلا تقلها أنت إذا صليت ، فقل : الحمد لله رب العالمين
. أخرجه الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه من حديث أبي نعامة ، واسمه قيس بن عباية ، حدثنا ابن عبد الله بن مغفل ، فساقوه ، وقال الترمذي : حديث حسن ، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وغيرهم ، ومن بعدهم من التابعين ، وبه يقول سفيان الثوري ، وابن المبارك ، وأحمد ، وإسحاق لا يرون الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة ، ويقولها في نفسه . أهـ .

وأخرجه البيهقي في السنن من طريق روح ، حدثنا عثمان بن غياث ، حدثنا أبو نعامة الحنفي ، عن ابن عبد الله بن مغفل ، عن أبيه قال : صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأبي بكر ، وعمر ، فما سمعت أحدا منهم يقرأ ببسم الله الرحمن الرحيم ، ثم قال : تابعه الجريري ، عن أبي نعامة قيس بن عباية ، وقال : فلم أسمع أحدا منهم جهر بها ، ثم روى من طريق الثوري ، عن الحذاء ، عن أبي نعامة الحنفي ، عن أنس كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأبو بكر ، وعمر لا يقرؤون يعني لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم . أهـ .

وقد اعترض على هذا الحديث من وجهين : الأول : قال النووي في الخلاصة : وقد ضعف الحفاظ هذا الحديث ، وأنكروا على الترمذي تحسينه كابن خزيمة ، وابن عبد البر ، والخطيب ، وقالوا : إن مداره على ابن عبد الله بن مغفل ، وهو مجهول . أهـ .

والجواب : إنه قد روى الطبراني في معجمه ، عن أبي سفيان طريف بن شهاب ، عن يزيد بن عبد الله بن مغفل ، عن أبيه قال : صليت خلف إمام ، فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، فلما فرغ من صلاته قال : ما هذا غيب عنا هذه التي أراك تجهر بها ، فإني قد صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومع أبي بكر ، وعمر ، فلم يجهروا بها ، وروى أحمد في مسنده من حديث أبي نعامة ، عن بني عبد الله بن مغفل قالوا : كان أبونا إذا سمع أحدا منا يقول : بسم الله الرحمن الرحيم يقول : أي بني إني صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأبي بكر ، وعمر ، فلم أسمع أحدا منهم يقول : بسم الله الرحمن الرحيم ، ورواه الطبراني في معجمه ، عن عبد الله بن بريدة ، عن ابن عبد الله بن مغفل ، عن أبيه بمثله ، فهؤلاء ثلاثة رووا الحديث ، عن ابن عبد الله بن مغفل ، عن أبيه ، وهم أبو نعامة ، وعبد الله بن بريدة ، وأبو سفيان السعدي ، وهو الذي سمى ابن عبد الله بن مغفل يزيد ، فقد ارتفعت الجهالة عن ابن عبد الله بن مغفل برواية هؤلاء الثلاثة عنه ، وبنوه الذين رووا عنه يزيد ، وزياد ، ومحمد ، والنسائي ، وابن حبان ، وغيرهم يحتجون بمثل هؤلاء ؛ إذ لم ير واحد منهم ما يخالف رواية الثقات ، وقد روى الطبراني لزياد ، ومحمد أحاديث توبع عليها ، وبالجملة ، فالحديث صريح في عدم الجهر بالتسمية ، والذين تركوا الاحتجاج به لتلك الجهالة قد احتجوا في هذه المسألة بما هو أضعف منه ، فإن قلت : الذي بين هذا الاسم هو أبو سفيان السعدي ، كما عند الطبراني ، وهو متكلم فيه ، والخصم لا يعتبره لهذا المعنى ، فالجواب : إنه وإن تكلم فيه ، ولكنه يعتبر به ما تابعه عليه غيره من الثقات ، وهذا القدر يكفي في رفع الجهالة .

الوجه الثاني : قال البيهقي في السنن : وأبو نعامة لم يحتج به الشيخان ، وقال في كتاب المعرفة : هذا الحديث قد تفرد به أبو نعامة ، وأبو نعامة ، وابن عبد الله بن مغفل لم يحتج بهما صاحبا الصحيح ، فالجواب : إن الذهبي قال في مختصره : هو بصري صدوق ما علمت فيه جرحا ، وحديثه في السنن الأربعة . أهـ .

وقال ابن معين : هو ثقة ، وقال ابن عبد البر : هو ثقة عند جميعهم ، وقال الخطيب : لا أعلم أحدا رماه ببدعة في دينه ، ولا كذب في روايته ، وفي الميزان : هو صدوق تكلم فيه بلا حجة ، وقول البيهقي : تفرد به أبو نعامة فيه نظر ، فقد تابعه عبد الله بن بريدة ، وهو أشهر من أن يثنى عليه ، وأبو سفيان السعدي ، كما تقدم ذلك ، وقوله : لم يحتج بهما صاحبا الصحيح ، فليس هذا لازما في صحة الإسناد ، ولئن سلمنا فنقول : إن لم يكن من أقسام الحديث الصحيح ، فلا ينزل عن درجة الحسن ، وقد حسنه الترمذي ، والحديث الحسن يحتج به ، لا سيما إذا تعددت شواهده ، وكثرت متابعاته ، ثم إن قول

[ ص: 194 ] البيهقي : إن الجريري تابع عثمان بن غياث في سياقه غير صحيح ، فإن الترمذي ساقه من طريق الجريري باللفظ الذي ذكرناه ، وكذلك ابن ماجه . والله أعلم .



الحديث الثالث : أخرجه مسلم في صحيحه ، عن بديل بن ميسرة ، عن أبي الجوزاء ، عن عائشة قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستفتح الصلاة بالتكبير ، والقراءة بالحمد لله رب العالمين ، واعترض على هذا بأمرين : أحدهما : أن أبا الجوزاء لا يعرف له سماع من عائشة ، والثاني : أنه روي عن عائشة أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر ، فالجواب : أن أبا الجوزاء ثقة كبير لا ينكر سماعه من عائشة ، وقد احتج به الجماعة ، وبديل بن ميسرة تابعي صغير مجمع على عدالته وثقته ، وقد حدث بهذا الحديث عن الأئمة الكبار ، وتلقاه العلماء بالقبول ، ويكفينا أنه حديث أودعه مسلم في صحيحه ، وأما ما روي عن عائشة من الجهر ، ففي طريقه الحكم بن عبد الله بن سعد ، وهو كذاب دجال لا يحل الاحتجاج به ، ومن العجب القدح في الحديث الصحيح ، والاحتجاج بالباطل .



(فصل)

وأما أقوال التابعين في ذلك ، فليست بحجة ، مع أنها قد اختلفت ، فروي عن غير واحد منهم الجهر ، وروي عن غير واحد منهم تركه ، وفي بعض الأسانيد إليهم الضعف ، والاضطراب ، ويمكن حل جهر من جهر منهم على أحد الوجوه المتقدمة ، والواجب في مثل هذه المسألة الرجوع إلى الدليل لا إلى الأقوال ، وقد نقل بعض من جمع في هذه المسألة الجهر عن غير واحد من الصحابة ، والتابعين ، وغيرهم ، والمشهور عنهم غيره ، كما نقل الخطيب الجهر عن الخلفاء الأربعة ، ونقله البيهقي ، وابن عبد البر عن عمر ، وعلي ، والمشهور عنهم تركه ، عن الخلفاء الأربعة ، وعن الثوري ، وابن المبارك ، وأحمد ، وإسحاق ، وكذلك قال ابن عبد البر : لم يختلف في الجهر بها عن ابن عمر ، وهو الصحيح عن ابن عباس قال : لا أعلم أنه اختلف في الجهر بها ، عن شداد بن أوس ، وابن الزبير ، وقد ذكر الدارقطني ، والخطيب ، عن ابن عمر عدم الجهر ، وكذلك روى الطحاوي ، والخطيب ، وغيرهما ، عن ابن عباس عدم الجهر ، وكذلك ذكر ابن المنذر ، عن ابن الزبير عدم الجهر ، وذكر ابن عبد البر ، والخطيب ، عن عمار بن ياسر الجهر ، وذكر ابن المنذر عنه عدم الجهر ، وذكر البيهقي ، والخطيب ، وابن عبد البر ، عن عكرمة الجهر ، وذكر الأثرم عنه عدمه ، وذكر الخطيب ، وغيره ، عن ابن المبارك ، وإسحاق الجهر ، وذكر الترمذي عنهما تركه ، وذكر الأثرم ، عن إبراهيم النخعي أنه قال : ما أدركت أحدا يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، والجهر بها بدعة ، وذكر الطحاوي ، عن عروة قال : أدركت الأئمة وما يستفتحون القراءة إلا بالحمد لله رب العالمين ، وقال وكيع كان الأعمش ، وابن أبي خالد ، وابن أبي ليلى ، وسفيان ، والحسن بن صالح ، وعلي بن صالح ، ومن أدركنا من مشيختنا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم ، وروى سعيد بن منصور في سننه ، حدثنا خالد ، عن حصين ، عن أبي وائل قال : كانوا يسرون البسملة ، والتعوذ في الصلاة ، حدثنا حماد بن زيد ، عن كثير بن شنظير أن الحسن سئل عن الجهر بالبسملة قال : إنما يفعل ذلك الأعراب ، حدثنا عتاب بن بشير ، أخبرنا خصيف ، عن سعيد بن جبير قال : إذا صليت فلا تجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، واجهر بالحمد لله رب العالمين .



(فصل)

ملخص ما قاله صاحب التنقيح ذكر الأحاديث التي استدل بها الشافعية ، ثم قال : وهذه الأحاديث في الجملة لا يحسن بمن له علم بالنقل أن يعارض بها الأحاديث الصحيحة ، ولولا أن تعرض للمتفقه شبهة عند سماعها فيظنها صحيحة لكان الإضراب عن ذكرها أولى ، ويكفي في ضعفها إعراض المصنفين للمسانيد ، والسنن عن جمهورها ، وقد ذكر الدارقطني منها طرفا في سننه فبين ضعف بعضها ، وسكت عن بعضها .

وقد حكى لنا مشايخنا أن الدارقطني لما ورد مصر سأله بعض أهلها تصنيف شيء في الجهر ، فصنف فيه جزأ ، فأتاه بعض المالكية فأقسم عليه أن يخبر بالصحيح من ذلك ، فقال : كل ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجهر فليس بصحيح ، وأما عن الصحابة ، فمنه صحيح ، ومنه ضعيف ، ثم تجرد الإمام أبو بكر الخطيب لجمع أحاديث الجهر ، فأزرى على عمله بتغطية ما ظن أنه لا ينكشف ، وقد بينا عللها ، وخللها ، ثم إنا بعد ذلك نحمل

[ ص: 195 ] أحاديثهم عن أحد أمرين : إما أن يكون جهر بها للتعليم ، أو جهر بها جهرا يسيرا ، أو جهر بها جهرا يسمعه من قرب منه ، والمأموم إذا قرب من الإمام ، أو حاذاه سمع منه ما يخافته ، ولا يسمى ذلك جهرا ، كما ورد أنه كان يصلي بهم الظهر فيسمعهم الآية ، والآيتين بعد الفاتحة أحيانا .

والثاني : أن يكون ذلك قبل الأمر بترك الجهر ، فقد روى أبو داود من مرسل سعيد بن جبير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، وكان مسيلمة يدعى رحمان اليمامة ، فقال أهل مكة : إنما يدعو إله اليمامة فأمر الله رسوله بإخفائها ، فما جهر بها حتى مات ، فهذا يدل على نسخ الجهر . قال : ومنهم من سلك ذلك مسلك البحث ، والتأويل ، فقال : إن أحاديث الجهر تقدم على أحاديث الإخفاء بأشياء : أحدها : بكثرة الرواة ، فإن أحاديث الإخفاء رواها اثنان من الصحابة أنس بن مالك ، وعبد الله بن مغفل ، وأحاديث الجهر رواها أربعة عشر صحابيا ، والثاني : إن أحاديث الإخفاء شهادة على نفي ، وأحاديث الجهر شهادة على إثبات ، والإثبات مقدم على النفي ، قالوا : وإن أنسا قد روي عنه إنكار ذلك في الجملة ، فروى أحمد ، والدارقطني في حديث سعيد بن يزيد أبي مسلمة قال : سألت أنسا أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ، أو الحمد لله رب العالمين ؟ قال : إنك لتسألني عن شيء ما أحفظه ، أو ما سألني عنه أحد من قبلك .

قال الدارقطني : إسناده صحيح قلنا : ما اعتراضهم بكثرة الرواة ، فالاعتماد عليها لا يكون إلا بعد صحة الدليلين ، وأحاديث الجهر ليس فيها صحيح صريح بخلاف حديث الإخفاء ، فإنه صحيح صريح ثابت مخرج في الصحاح ، والمسانيد المعروفة ، والسنن المشهورة ، وأحاديث الجهر ، وإن كثرت رواتها ، ولكنها كلها ضعيفة ، وكم من حديث كثرت رواته ، وتعددت طرقه ، وهو حديث ضعيف ؛ بل قد لا يزيد الحديث كثرة الطرق إلا ضعفا ، وإنما يرجح بكثرة الرواة إذا كانت الرواة محتجا بهم من الطرفين ، وأحاديث الجهر لم يروها إلا الحاكم ، والدارقطني ، فالحاكم عرف تساهله في التصحيح ، والدارقطني قد ملأ كتابه من الأحاديث الغريبة ، والشاذة ، والمعللة ، وأما الشهادة على النفي ؛ فهي وإن ظهرت في صورة النفي فمعناها الإثبات ، مع أن المسألة مختلف فيها على ثلاثة أقوال ، فالأكثرون على تقديم الإثبات ؛ قالوا : لأن المثبت معه زيادة علم ، وأيضا فالنفي يزيد التأكيد لدليل الأصل ، والإثبات يزيد التأسيس ، والتأسيس أولى . الثاني : إنهما سواء ؛ قالوا : لأن النافي موافق للأصل ، وأيضا فالظاهر تأخير النافي عن المثبت ؛ إذ لو قدر مقدما عليه لكانت فائدته التأكيد لدليل الأصل ، وعلى تقدير تأخيره يكون تأسيسا ، فالعمل به أولى .

القول الثالث : إن النافي مقدم على المثبت ، وإليه ذهب الآمدي ، وغيره ، وأما جمعهم بين الأحاديث بأنه لم يسمعه لبعده ، وأنه كان صبيا يومئذ ، فمردود ؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هاجر إلى المدينة ولأنس يومئذ عشر سنين ، ومات وله عشرون سنة ، فكيف يتصور أن يصلي خلفه عشر سنين ، فلا يسمعه يوما من الدهر يجهر ؟ هذا بعيد ، بل يستحيل ، ثم قد روى هذا في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فكيف وهو رجل في زمن أبي بكر ، وعمر ، وكهل في زمن عثمان ، مع تقدمه في زمانهم ، وروايته للحديث ، وأما ما روي من إنكار أنس ، فلا يقاوم ما ثبت عنه خلافه في الصحيح ، ويحتمل أن يكون نسي في تلك الحال لكبره ، وقد وقع مثل ذلك كثيرا ، كما سئل يوما عن مسألة ، فقال : عليكم بالحسن فاسألوه ، فإنه حفظ ، ونسينا ، وكم ممن حدث ونسي ، ويحتمل أنه إنما سأله عن ذكرها في الصلاة أصلا ، لا عن الجهر بها ، وإخفائها . والله أعلم . أهـ .

وقد طال بنا الكلام في هذه المسألة ؛ لأنها أكثر دورانا في المناظرة ، وهي من أعلام المسائل ، وقد نبهت فيها على فوائد غفل عنها أكثر أئمتنا في كتبهم ، وسبق لي الكلام عليها في كتابي الجواهر المنيفة في أصول أدلة مذهب الإمام أبي حنيفة ، ولخصت هناك كلام الحافظ أبي بكر الحازمي - رحمه الله تعالى - ، وبالله التوفيق .




الخدمات العلمية