الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فيصلي النافلة في موضع آخر .

فإن كان خلفه نسوة لم يقم حتى ينصرفن وفي الخبر المشهور أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يقعد إلا قدر قوله : اللهم أنت السلام ، ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام .

التالي السابق


(ويصلي) الإمام ، وكذلك المأموم (النافلة بعد) الأوراد (في موضع آخر) ، وفي نسخة : فيصلي كما تقدم ؛ أي : لا يصلي النافلة في مكان الفرض لئلا يشتبه على من جاء بعد السلام ، وقد روي عن المغيرة بن شعبة ، كما رواه أبو داود بسند منقطع بلفظ : لا يصلي الإمام في الموضع الذي صلى فيه حتى يتحول عن مكانه ، ولابن أبي شيبة بإسناد حسن ، عن علي قال : من السنة أن لا يتطوع الإمام حتى يتحول عن مكانه ، ولكن ذكر البخاري في باب مكث الإمام في مصلاه بعد السلام ، عن آدم بن أبي إياس ، حدثنا شعبة ، عن أيوب ، عن نافع قال : كان ابن عمر يصلي في مكانه الذي صلى فيه الفريضة ، وفعله القاسم ، ويذكر عن أبي هريرة رفعه : لا يتطوع [ ص: 209 ] الإمام في مكانه ، ولم يصح . أهـ .

ورواه ابن أبي شيبة من وجه آخر ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر أنه كان يصلي سبحته مكانه ، وما ذكره عن القاسم ، وهو ابن محمد بن أبي بكر ، وصله ابن أبي شيبة ، وما ذكره عن أبي هريرة ، وقال : لم يصح ؛ لضعف إسناده واضطرابه تفرد به ليث بن أبي سليم ، وهو ضعيف ، واختلف عليه فيه هذا الذي ذكر في حق الإمام ، والأحسن للمأموم عندنا أيضا أن ينتقل من مكانه لما روي عن محمد بن الحسن أنه قال : يستحب للقوم أيضا أن ينقضوا الصفوف ، ويتفرقوا ليزول الاشتباه عن الداخل المعاين ، ولاستكثاره من شهوده لما روي أن مكان المصلي يشهد له يوم القيامة ، كذا في البدائع (فإن كان خلفه نسوة) حضرن الصلاة (لم يقم حتى ينصرفن) ، أي : يقمن من مواضعهن ، ويرجعن إلى منازلهن .

وأخرج البخاري من حديث أم سلمة قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه ، ومكث يسيرا قبل أن يقوم .

قال الزهري : فأرى - والله أعلم - أن مكثه لكي ينفذ النساء قبل أن يدركهن من انصرف من القوم (وفي الخبر المشهور) الذي أخرجه مسلم ، والترمذي من حديث عائشة - رضي الله عنها - (أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يقعد إلا قدر ما يقول : اللهم أنت السلام ، ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ) هو مروي بالمعنى ؛ إذ لفظ مسلم : كان يقعد مقدار ما يقول : اللهم أنت السلام ، ومنك السلام ، وإليك يعود السلام ، تباركت يا ذا الجلال ، والإكرام ، ثم يقوم إلى السنة ، ولفظ الترمذي : كان إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول . . . ، ثم ساقه كما عند المصنف . أهـ . والمراد بالمشهور المعنى اللغوي لا مصطلح أهل الحديث .



(تنبيه) :

قال شمس الأئمة الحلواني من أصحابنا : لا بأس بقراءة الأوراد بين الفريضة والسنة . قال ابن الهمام في معنى هذا الكلام : وإنما قال : لا بأس ؛ لأن المشهور من هذه العبارة استعمالها فيما يكون خلافه أولى منه ، فكان معناها أن الأولى أن لا يقرأ الأوراد قبل السنة ، فلو فعل لا بأس به ، فلا تسقط بقراءته ذلك إذا صلاها بعد الأوراد تقع سنة مؤداة لا على وجه السنة . أهـ .

وقال في الاختيار شرح المختار : كل صلاة بعدها سنة يكره القعود بعدها ، والدعاء ؛ بل يشتغل بالسنة ، وأورد حديث عائشة السابق ذكره ، ثم قال : أي : فيندب الفصل بهذا لهذا . أهـ .

قال ابن الهمام : فمن ادعى فصلا أكثر مما ذكر في حديث عائشة ، فلينقله ، ولا يقتضي الأكثر ما ورد من أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقول دبر كل صلاة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له . . . إلخ ، والحديث الوارد في الأمر لفقراء المهاجرين بالتسبيح ، وأخواته دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين إلى غير ذلك ؛ لأنه لا يقتضي وصل هذه الأذكار بالفرض ؛ بل كونها عقب السنة من غير اشتغال بما ليس من توابع الصلاة ، فصح كونها دبرها ، ثم قال ابن الهمام : والحاصل أنه لم يثبت عنه - عليه السلام - الفصل بالأذكار التي يواظب عليها في المساجد في عصرنا من قراءة آية الكرسي ، والتسبيح ، وأخواته ثلاثا وثلاثين ، وغيرها ؛ بل ندب هو إليها ، والقدر المتحقق أن كلا من السنن ، والأوراد نسبة إلى الفرائض بالتبعية ، والذي ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - هو ما روته عائشة عند مسلم ، والترمذي ، وتقدم ذكره قال : فهو نص صريح في المراد ، وما يتخايل منه أنه يخالفه لم يقو قوته ، فوجب اتباع هذا النص .

واعلم أن المذكور في حديث عائشة هذا لا يستلزم سنية هذا اللفظ بعينه دبر كل صلاة ؛ إذ لم تقل : حتى يقول ، وإلا أن يقول : فيجوز كونه - صلى الله عليه وسلم - كان مرة يقوله ، ومرة يقول غيره من قوله : لا إله إلا الله وحده لا شريك له . . . إلخ ، ومقتضى العبارة حينئذ أن السنة أن يفصل بين الفرض والسنة بذكر قدر ذلك ، وذلك يكون تقريبا ، فقد يزيد ، وقد ينقص قليلا ، وقد يدرج ، وقد يترسل ، فأما ما يزيد مثل آية الكرسي ، وعدد التسبيحات ، فينبغي استنان تأخيرها ، عن السنة ألبتة على أن ثبوت مواظبته - صلى الله عليه وسلم - عليه لا أعلمه ؛ بل الثابت عنه ندبه إلى ذلك ، ولا يلزم من ندبه إلى شيء مواظبته عليه ، وإلا لم يفرق حينئذ بين السنة ، والمندوب ، وعندي قول الحلواني حكم آخر لا يعارض القولين يفيد عدم سقوط السنة بقراءة الأوراد بين الفرض والسنة فقط . أهـ .



(تنبيه آخر) :

قال ابن نجيم من علمائنا في البحر : إذا تكلم بكلام كثير ، أو أكل ، أو شرب [ ص: 210 ] بين الفرض والسنة نقص ثواب السنة ، ولا تبطل هو الأصح ؛ ولذا لو أخر السنة بعد الفرض ، ثم أداها في آخر الوقت لا تكون سنة ، وقيل : تكون سنة ، والأفضل في السنن أداؤها في المنزل إلا التراويح ، وقيل : إن الفضيلة لا تختص بوجه دون وجه ، وهو الأصح ، ولكن كل ما كان أبعد من الرياء ، وأجمع للخشوع ، والإخلاص هو الأفضل ، كذا في النهاية .




الخدمات العلمية